” الحكيم والعقيم” الجزء الأول

بقلم عدنان شمعون
الحكيم والعقيم
كندا
ashamon62@yahoo.com

02 / 04 / 2016
http://nala4u.com

بواسطة سامي هاويل/ سدني
” الحكيم والعقيم” الجزء الأول من مقال الكاتب الزميل عدنان شمعون عضو هيئة التنسيق لمؤتمر آشور العالمي

قد تولد الحكمة في ظلال الجهل، لكنها لا تترعرع في احضانه . فاذا حلت الحكمة زالت النقمة، واذا زالت الحكمة حلت النقمة .
بهذه الكلمات استهل الحكيم كلامه مخاطبا سكان تلك القرية النائية، التي ظلت تلعن الزمن دون جدوى، فهي من جهلها لم تدرك ان مصابها لم يكن سببه الزمن، وان احوالها المتدنية لا تصّلحها اللعنات حتى وان كانت ابدية. فاهلها نبذوا اهل العلم، واضاقوا الخناق عليهم، فمنهم من هاجرها بعيدا الى القرى التي لا تمت اليهم بصلة، بعد ما ذاقوه من بغض وكراهية بين ابناء جلدتهم، فضلوا خدمة الغرباء . ومنهم من تشرنق ليتفادى جهلهم وقلة ايمانهم .

{لا يكون نبي بلا كرامة الا في وطنه وبيته}( متى 13-57) .
لقد كان الحكيم على دراية تامة باحوال اهل القرية، فهي لم تكن تسر الخاطر، بل كانت تسير من سيئ الى اسوأ . تفحص وجوه الحاضرين الذين تواجدوا هناك حبا للفضول لا للاصغاء، فالفضول هو خصلة اخرى تضاف الى خصالهم الرديئة . تفحص الحضور والالم يعتصر قلبه، اذ كان واحدا منهم، غريبا امضى الامس بينهم، وغريبا يزورهم اليوم، وهذا ما يحز في قلبه .

تحملق في وجوههم طويلا، ثم مضى يقول : ان الحديد والذهب معدنان مختلفان في التكوين، فالاول قوي ورصين، والثاني براق وثمين، الاول يكيل الثاني، لهذا نراه قابعا في كفة الميزان لا يفارقه ابدا، اما الثاني فيغادرها ليزين صدور الناس ومعاصمهم، فما بالكم تكيلون من هم اكثر حكمة ودراية منكم، ام ان الغيرة هي التي تاكل احشائكم، وتسيركم دون بصيرة .

انني اشبهكم بالتفاحة التي اراد لها القدر ان تنبت على الغصن البعيد، فهي ظلت معلقة بالرغم من القساوة التي تمنى عليها الطقس، صمدت امام اعتى الرياح، ولم تهزها اعنف العواصف، بينما تساقط اصحابها الاكثر بعدا عن مهب الريح، الى ان نهشتها الدودة، وجعلت من باطنها ماوى لها، اكلت ما بداخلها حتى وصلت القشرة، وهنا السؤال يطرح نفسه، هل بمستطاع التفاحة مقاومة أي نسمة عابرة ؟
فحذاري والدودة، فخرابها العظيم لا يقاس بحجمها . .!

انكم تتجنبون كلمة الحق، وتتهربون منها، لا بل تصمون اذانكم خوفا من ان يمزق دويها الصارخ طبلاتها، الحقيقة مؤلمة دائما، فمن احبكم صارحكم باخطائكم، وكشف لكم عوراتكم، لغاية تقويمكم واصلاحكم. انتم تنهرون ابناءكم وتقسون عليهم بعض الاحيان، فهل هو كرها منكم لابنائكم ؟ الجواب كلا، فخوفكم عليهم وحبكم لفلذات اكبادكم هو الذي يدفعكم احيانا الى استعمال القسوة ضدهم .

ان مشرط الطبيب يفتح الجرح ويغوص في اعماقه، وفي هذا الم كبير، فهل يتذمر المصاب وهو على دراية من ان الغاية من كل ذلك هي المعالجة والقضاء على الجرح قبل استفحاله ؟ وهو مايعرض حياته لخطر الموت، فلما لا تتحملوا الالم مرة واحدة على ان يصاحبكم بقية حياتكم ؟

ان قطعة القماش كانت دائمة التذمر من وخزات الابرة، الى ان جاء الوقت الذي تكلمت فيه الابرة الى قطعة القماش ردا على تذمرها، حين قالت: انك من دون وخزاتي لا شيء، سوى قطعة قماش، يهملك الناس ولا يعيروا لك أي اهتمام، فوخزاتي هي التي تصنع لك الجمال الذي به تبهرين عيون الماره، ووخزاتي هي التي تجعل لك الشأن الذي تفتخرين به .

ان الغسيل الوسخ لا ينشر امام الناس، كما انه لا يركن جانبا لان رائحته النتنة ستزكم الانوف ..!
قبل ان تاخذوا، عليكم ان تتعلموا العطاء، انظروا الى الزهرة البرية، فهي لا تبخل برحيقها على النحلة، وهكذا ايضا النحلة، لا تبخل عليكم بعسلها، فلما تبخلون على بعضكم البعض، وانتم اخوة بالدم ؟

يا لكم من قوم، تذمرتم حتى على خالقكم، تاجرتم بدماء اخوتكم، زرعتم ما هو ليس من خصال ابائكم في ابناءكم، تعلمتم الكذب وتفوقتم عليه، سلكتم طرقا لم يكن لكم فيها مسلكا، ويا ليتكم فلحتم، فالابواب ظلت موصدة في وجوهكم، وكما يقولون اذا عرف السبب بطل العجب . . !

متى ستتعلموا من النمل، هذا المخلوق الصغير في الحجم والعظيم في القوة والعمل، لا يقل ذكائا عن باقي المخلوقات، انظروا كيف قسم واجباته في الخلية الواحدة بشكل لا يقبل الجدل، متى ستحذون حذو هذا الكائن الصغير، وتتركون كبريائكم الزائف الذي لم تجنوا منه سوى الخراب . جميعكم يروم القيادة، فهل تمتلكون ما يساعدكم على شراء الاتباع ؟

ان الذي يخوض في هوامش الاحداث، لن يكون الحدث ابدا.انكم كمن يعيش في عصور اختّلت فيها العقول وتداخلت في بعضها الفصول، تسيرون من دون تحديد وجهتكم، وحينما يدرككم التعب، تنظرون الى من حولكم لترموا عليه اللائمة. انكم الاقرب من البعيد، والابعد من ذلك القريب، غدوتم معلقون بين السماء والارض، تضحكون على ما يبكيكم، وتبكون على ما يضحك العالم .

انتم تتغاضون عن قساوة الكثير لكم، ليس ايمانا منكم بما قاله السيد المسيح له المجد، لانكم تلسنون على بعضكم البعض، والقسوة فيما بينكم لا حدود لها. ها هي الذئاب تصول وتجول في قطعانكم، تمزق هذا وتشتت ذاك، جاءتكم بلباس الحملان، وانيابها كانت ظاهرة للعيان . . والذي لا يفرق بين الذئب والحمل، هو اعمى .

ان الذئاب لا تهاجم سوى القطعان المشردة، فهل من لائمة عليها ؟
الذي يكون في صمته حجاره، تكون حركته كالبيدق، مسير لا مخير .
والدفة اذا قادها الجهل، فلا مفر من الهاوية .
فان فهمتم فهو خيرا لكم، لان الحياة ما دامت مستمرة، فلكم كل الفرص في صنع المعجزات .
وان لم تفهموا، فستظلوا على ما انتم عليه، شعب عقيم، وعقمكم سيكون سبب نهايتكم .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.