المقارنة بين انشقاق الاساقفة في البرازيل واسقف ابرشية كلدانية في غرب امريكا

بقلم مسعود هرمز النوفلي
المقارنة بين انشقاق الاساقفة في البرازيل واسقف ابرشية كلدانية في غرب امريكا

16 / 04 / 2015
http://nala4u.com

المقارنة بين انشقاق الاساقفة في البرازيل واسقف ابرشية كلدانية في غرب امريكا

مقدمة
تتسارع الأخبار من البرازيل والفاتيكان بخصوص انشقاق اثنين من الأساقفة الكاثوليك في البرازيل وعدم التزامهما بقرارات الفاتيكان. بالتوازي مع الحدث هناك مطران ابرشية مار بطرس الكلدانية في غرب امريكا يرفض الأصلاحات والتعليمات الصادرة من البطريركية الكلدانية على العراق والعالم.
 قبل ان نعطي وصفاً لما يجري سنتحدث عن التشابه بين الحدثين وأسبابه ومن ثم الأستنتاجات والخلاصة.
التشابه بين الأساقفة الكاثوليك في البرازيل والأساقفة في ساندييكَو:
تؤكد الأخبار الواردة من وكالات الأنباء وجود انشقاق وتمرد خطير في الكنيسة الكاثوليكية في البرازيل يقوده اسقفان تسمّى حركتهما بِ “المقاومة”، وهُما ضد جميع الأصلاحات التي يقوم بها قداسة البابا، هذه الحركة اصبح لها اتباع بحدود المليون شخص أو اكثر. هدفها الأستقلال التام عن الفاتيكان ورفض إطاعة البابا وتعاليمه. (1)
بدأ هذان الأسقفان برسامة كهنة ورُهبان وراهبات وفق مبادئ حركتهما وايمانهما بها، واخيراً تم رسامة مطران بدون موافقة الفاتيكان ونشبت أزمة بين الأسقفين وقداسة البابا بناءً على ذلك.
يقود ابرشية مار بطرس الرسول الكلدانية في ساندييكَو المطران سرهد جمو ويُساعده شكلياً المطران باواي سورو الذي انشق عن كنيسة المشرق الآشورية والتحق بالكلدانية الكاثوليكية، وقد تم تنسيبه ً للعمل في الأبرشية بحسب توجيهات الفاتيكان.
المطران سرهد جمو  لم يحضر اعمال السينودس الخاص بكنيسته لثلاث مرات مُتتالية، ولم يُشارك في تنصيب غبطة البطريرك لويس ساكو، ولم يتعاون مع مرجعهِ الأعلى أي البطريركية بخصوص مسألة الرهبان والكهنة الخارجين عن القانون وقام بقبولهم واحتضانهم رغم كونهم تابعين لأبرشيات أخرى أو لدير تاركين واجباتهم ومُصرّين على مخالفة القوانين. المطران سرهد جمو قبلهم مع ذلك ولم يقدّم لهم النصح مثل الأساقفة في الأبرشيات الأخرى لكي يلتزموا بالقوانين وتقديم الطاعة لرؤسائهم تنفيذاً لنذورهم عند رسامتهم، لقد شجعهم على العصيان ولم يحاسبهم على ما نطقوا به من كلمات غير مؤدبة  ضد البطريرك تعارض الاحترام والطاعة التي سبق وان أقسموا عليها، لا وبل نشروها في اعلامهم وموقعهم كلدايانت الموجه ضد البطريركية .
بالأضافة الى ذلك فقد انشأ تكتلا قوميا عنصريا ضد البطريرك والطوائف المسيحية الاخرى جاعلا نفسه قائدا كلدانيا على حساب واجبه الكنسي الروحي.
من جهة يقول المطران سرهد جمّو والذين معه بأنهم يرتبطون قانونياً بالفاتيكان ومن جهة اخرى يخالف قوانين الفاتيكان حين يُرحّب ويقبل كهنة هاربين تابعين للبطريركية وابرشياتها العاملة ويعطيهم اوراق الخدمة وطلب اللجوء. ماذا نُسمي هذه التصرفات؟ ألا نطلق عليه صفة المتمرد أو المنشق كما اطلق قداسة البابا على اسقفي البرازيل؟ ألا يتتطابق ما يقوم به بما قام به اسقفا البرازيل؟ هل هناك بوادر تمرد وانشقاق خطير في الكنيسة الكلدانية؟ حتى الطقوس التي يدعي بانه يتبع بها البطريركية لم يُنفّذها ولم يقبل بها. اشترى بناية سماها دير مار كوركيس للرياضات الروحية وبعدها تورّط بقوانين البلدية لأنّ هذا الدير هو بناية متروكة تُستخدم لعدة مرات في السنة وتبعد مسافة بعيدة جداً عن مركز تواجد الجالية وكان الأجدر به بناء او شراء كنيسة اخرى للمؤمنين وليس شراء دير. أغلقَ دير راهبات الكلدان العريق وفتح ديراً آخر باسم فعلة الكرمة بأهداف مُستحدثة وبزي جديد مُختلف بدون إذن الرؤساء، وأعطى لهنّ جميع الواجبات التي كُنّ يقُمن بها الأخوات الراهبات بالاضافة الى وظيفة مستحدثة وهي التصوير الفوتوغرافي للمناسبات داخل الكنيسة وهذا بعيد عن واجبات الراهبات. ما يقوم به المطران لم يكن متزامنا مع استلام غبطة البطريرك مار لويس ساكو المسؤولية وإنما كانت اعماله واهدافه مخطّط لها منذ فترة طويلة ولكنها برزت على الواجهة بسب العمل الجاد من قبل البطريرك واصراره على الأصالة والتجديد والوحدة، وهذا ما لم يرغب به المطران جمو.
أخيراً قام  برسامة الكهنة ورُبما سيقوم برسامة اسقف ليصبحوا ثلاثة اساقفة ليقولْ كمّلتُ واجباتي وساستقيل. هل توجد صفة اخرى كي نطلقها على المطران؟ هل يعتبر الأسقف شجاعا عندما يستهين بمرجعيته بهذه الطريقة؟ هل نصفهُ بالمطران الذكي أم حامل راية الأنشقاق والأنقسام وقائدا للتمرّد؟ هل نطلق عليه صفات العظيم والعبقري أم الأسقف الذي هدّد المناوئين بالغرامة والشرطة إذا فتحوا افواههم وانتقدوه؟
كُل تصرفات المطران جموغريبة ويبقى الأنسان القريب منه حائراً حول ما يلاحظه في المنهج الذي يستمرّعليه غير مُكترثً بالجميع وحتى الكهنة والرهبان القريبين منه يتكلمون عن طبيعته المُبهمة عندما يعتبر نفسه قائداً لا يقبل المُناقشة في جوانب تخص عمل الأبرشية، ونتيجة لرؤيته الخاصة هناك انشقاق واضح بين الكهنه والرهبان أنفسهم وبين الشعب المتألم والمظلوم أيضاً! ماذا نقول عن البيت الذي ينقسم على نفسهِ؟
كما برزت الى العلن مسألة الأسقفين في البرازيل وتمردّهما على قداسة البابا وكأنها معركة كما وصفها أحد الكُتاب (2)، هكذا برزت اعمال المطران سرهد جمو في تحدّيه الواضح لغبطة البطريرك. هل نستطيع تسمية حركتهِ بالمقاومة كما يُسمّيها اساقفة البرازيل؟ الأساقفة في البرازيل جمعوا معهم أكثر من خمسين كاهناً وراهباً وراهبة (1)، وها هو المطران سرهد يجمع حوله بعض الكهنة والرهبان والراهبات وبنفس الصيغة المؤسفة. المتمرّد يتوسع في تمرّده في البرازيل، وكذلك في ساندييكَو وبنفس اسلوب المقاومة، وباعتقادنا التشابه واضح جداً. في البرازيل اكثر من مئة مليون كاثوليكي والتابعون للأسقفين المنشقين نسبتهم حوالي واحد من المئة من الكاثوليك (1). أما المنتمون الى الكنيسة الكلدانية حول العالم فيقدّرون بحدود ثمانمائة الف نسمة . عند المقارنة مع اتباع الأسقفين المتمرّدين في البرازيل رُبما يصل العدد الأجمالي للذين يُؤيدون خط المطران سرهد جمو الى نصف في المئة أي ما مجموعه حوالي أربعة آلاف شخص، وحتى لو اصبح العدد عشرة آلاف بواسطة الرهبان والكهنة المطرودين رسمياً واتباعهم فسيبقى عدداً ضئيلا بالنسبة  للعدد الكلي للمنتمين الى الكنيسة الكلدانية وبناءً على ذلك فانّ الكنيسة الكلدانية سوف لن تتأثّر بهذا العدد حالها حال كنيسة البرزايل التي لن تتزعزع بخروج المليون شخص عن الطاعة.
كما ذكرت سابقا فانّ المطران باوي سورو منشقّ عن كنيسته الأصلية ومنسّب للعمل مع زميله المطران سرهد جمو وعليه يكون لدينا اسقفان منشقّان  في الأبرشية ويُقابلهما اسقفان  اثنان في البرازيل. هل هي صدفة ام تنسيق؟ الخطورة تأتي من التنسيق والله يعلم ما في الخفايا.
لماذا الأنشقاق والأسباب؟
1- هناك نظرة جديدة الى التاريخ والتراث والعودة الى الأصول يعتبرونها صحيحة بالرغم من تعارضها مع توجيهات المرجع الأعلى الذي اقسموا على طاعته واحترامه عند الرسامة الأسقفية. كما نعلم ان الغالبية العظمى من الكاثوليك تؤيد قداسة البابا كذلك فانّ الغالبية العظمى من الكلدان تؤيد غبطة البطريرك والبابا، فأيهما على حق وأصحْ، قداسة البابا وغبطة البطريرك أم الأساقفة المنشقين في البرازيل وسان دييكو؟
2- حُب الذات والتكبّر والتجاوز على رئاسة الكنيسة بحجج مُختلفة، إن كان في البرازيل أو في ساندييكَو حيث يرغبون في تأسيس تكتل خاص مُفصّل على مزاجهم ليصبح مثل المشيَخِية ولكن باسم كاثوليكي .
3-عدم تطبيق اوامر قداسة البابا وقرارات البطريركية بخصوص الأدارة والمالية والطقوس المختلفة لغايات غير مفهومة لا يتم التصريح عنها. للأسف هناك تشجيع من قبل البعض رغم علمهم بوجود خطأ متناسين أنّ مرجعيتنا واحدة وبطريركيتنا واحدة ولا يجوز التمسك بالمطران الفلاني المخالف للقرارات الجماعية للسينودس الذي يعتبر كل ما يصدر عن البطريركية عملا عدائيا ضدّ طموحاته.
4- خلق بلبلة وزرع الشكوك بين المؤمنين بتشجيعهم المُخالفين للمرجعية والأدلة كثيرة وخاصة ترك الآلاف لكنيستنا والألتحاق بكنائس أخرى إن كانت شقيقة أو غيرها. أليس هذا العمل ضد إرادة الرب في أن يكونوا واحداً كما هو والآب واحد؟
5- في الحالتين هناك عصيان على أوامر المرجع الأعلى. عصيان غير مسبوق وحديث علني وبكُراهية عبر المواقع على البابا وعلى البطريرك. مَنْ كان يُصدّق أن تصل الأمور هكذا في دولة لاتينية كبيرة بعدد مؤمنيها وبأبرشية كلدانية كبيرة بعدد أبنائها؟
6- دور الأعمال الشيطانية الخفيّة التي تحاول زعزعة الأسس الأنجيلية من خلال افراد من الداخل لعدم استطاعتهم التغلب على الكنيسة من الخارج، فقد بدأ البعض بهذه الأعمال فعلاً وبأسلوب مخطط ومدروس. هل سيستمرّ الأساقفة في البرازيل وساندييكَو على تمرّدهم على قيادتهم ليُفرِحوا الشيطان واعوانه؟
7- هناك مراقبة وتصيّد لتشويه كل كلمة يقولها البابا او البطريرك بتعمّد، وهذه التشويهات تزيد من حدّة الخلاف والأنشقاق وبالتالي تشجّع على الأنفصال وهذا الأمر الخطير ليس خافياً على قداسة  البابا أو على غبطة البطريرك.
الأستنتاجات
الكنيسة الكلدانية في ساندييكَو تعيش أزمة، ومن اجل وضع الحلول لهذه المشكلة نقترح اتّخاذ الاجراءات التالية :
– تبديل راعي الأبرشية فوراً براعي آخر أو تنسيب مدبّر رسولي  مؤقت لحين اختيار ورسامة اسقف جديد للأبرشية كما جرى في أبرشية مار أدّي في كندا. السبب في التبديل هو رفضه الأصلاحات ومقاومته قرارات المرجع الأعلى بالأضافة الى تصريحاته القومية ولقاءاته التي لا تخدم عموم المؤمنين باستثناء فئة صغيرة تعمل بارشاداته لأسبابها الخاصّة.
– الحركة الأنشقاقية تبدأ من عدة اشخاص وتتوسع، فإذا لا يأتي الحزم الجاد والسريع، عندها تتطور المشكلة تدريجياً ورُبما تنتقل الى اماكن اخرى مما يؤدي الى انقسام جديد في الكنيسة ويقضي على آمالنا في الوصول الى الوحدة المنشودة لكنيسة المشرق أمّ الشهداء.
–  من مجريات الأحداث يتضح دور الفاتيكان القوي في حصول التمرد وخاصة من قبل رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ساندري الذي يعمل حسب ما اعتقد في هدم صرح البطريركية وحصر ارتباط  المؤمنين به دون الحاجة لوجود البطريركية واوامرها، وهذا واضحٌ جداً في وقوفه مع المطران سرهد جمو بالضد من البطريركية وقرارات السينودس الجماعية، وسكوته عن كل مخالفات المطران جمو بالرغم من كثرة الشكاوي المقدمة من قبل المؤمنين ضده والتماطل في اتخاذ الاجراءات القانونية بحقه وعدم الموافقة على قرارات السينودس لحد الآن.
– بما ان الكنيسة هي كنيسة الرب وللمؤمنين جميعا، واملاك الكنيسة  ناتجة من تبرعات المؤمنين الذين انعم الرب عليهم، فعليه يجب ان تكون تحت تصرف ادارتها المتمثلة بالبطريركية الكلدانية وليس تحت تصرف المطران جمو او اي شخص اخر، وبما ان المطران جمو يرفض ان يتبع البطريركية ويطيعها، اذاً فليذهب الى حيث ما يشاء هو ومن يتبعه بسلام ويترك المؤمنين في حالهم .
– إذا رغبت البطريركية في مساعدة المؤمنين في الأبرشية اكثر مما هو عليه الحال الآن، عليهاً فتح كنائس اخرى في المنطقة فورا وتنسيب كهنة غيورين لخدمة الشعب في الكنائس القديمة والجديدة ليلتحقوا ويخدموا مع الأباء الذين لا يزالون أمينين الى البطريركية والسينودس. عندها ستلتحق غالبية المؤمنين مع الكهنة المُنسّبين للعمل وليبقى البعض مع خط المطران الذي لا يتبع البطريركية الى أن يترحّم الرب علينا، وفي حالة تعذّر شراء كنائس بسبب عوائق مادّية فبالامكان استئجارها  باجور رمزية وبسهولة  بالأتفاق مع الكنائس الكاثوليكية المحليّة التي لا تمانع في ذلك.
الخلاصة
بدأ جيل جديد بدفع من قبل المطران سرهد جمو بالتحدي العلني والتمرد وعدم تطبيق قرارات السينودس. هذا الجيل لا يتكلم لغة آبائه وأجداده ولا يتقن الطقس ويتنكّر للبطريركية وقوانينها ولا يفيد الحوار معه. لقد تم غسل ادمغة البعض بعدم الأستماع الى البطريركية بحجة انهم تابعون للفاتيكان، فعن أية أبرشية كلدانية سنتحدث في المستقبل؟ انها احدى الأبرشيات التي ستضيع وتنفصل عن الكنيسة الكلدانية الأمّ بسبب تصرّفات المطران نفسه.
واخيراً، إذا رفض الفاتيكان تطبيق قرارات سينودس الكنيسة الكلدانية واستمرّ في المُماطلة فأعتقد أنّه من الأفضل أن يتخذ السينودس قراراً بالأستقالة الجماعية، أو الأعلان عن فك الأرتباط الاداري مع الفاتيكان لنبقى كنيسة ذات استقلال ذاتي. فك الأرتباط لا أعني به الأنفصال والقطيعة، انّما استحصال حكم ذاتي يمكّن  الكنيسة الكلدانية من اتّخاذ قرارات ادارية  مُستقلة فيما يخصّ الرسامات والأيقاف والأدارة بكل نواحيها التنظيمية والمالية مع الحفاظ على الشراكة الايمانية مع الفاتيكان.

مسعود هرمز النوفلي

المصادر:
(1):  http://www.theguardian.com/world/2015/apr/01/brazil-breakaway-catholics-rebel-against-pope-santa-cruz-monastery

(2):  http://www.reuters.com/article/2015/03/30/us-vatican-traditionalists-brazil-idUSKBN0MQ23H20150330

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات, دين. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.