كـم مـن عـروشٍ اهـتزت تحـت أقـدام الشـبّان!

بقلم غســان يونان
gyounan@gmx.de
كـم مـن عـروشٍ اهـتزت تحـت أقـدام الشـبّان!

05 / 11 / 2014
http://nala4u.com

إن الشـعب الآشـوري وعلـى مـرِّ مئـات لا بل آلاف السـنين، برهـن عـن ثقـة وجـدارة عـن القـوة والصـلابـة فـي تضامنـه وتعـاضـده وإرادتـه اللامتنـاهيـة فـي حُبّ الحيـاة والنضـال الـمسـتميـت مـن أجـل المحـافظـة علـى اسـتمراريـة وجـوده وبقـائـه سـيداً حـراً مسـتقـلاً فـي هـذا الشـرق.

خاض الآشـوريون أشـرس المعـارك وأقسـاهـا، سـواء الـداخليـة منهـا أم الخـارجيـة، لم يبخـلـوا يومـاً فـي تقـديم الضحايـا قـرابـين علـى مـذبـح الحـريـة والكـرامـة والاسـتقـلال، فخـرجـوا منهـا منتصـريـن علـى أعـداء الأمـة ومطمئنـين علـى اسـتمـراريـة الرسـالـة المقـدسـة، وبسـبب تلـك التضحيـات، نُعـرف اليـوم بأحفـاد الامبراطـوريـة الآشـوريـة العـريقـة.

إذ نجـح الآشـوريون فـي رفـع شـأنهم ومكانتـهم ليـس فـي المجـال العسـكري فحسـب وإنمـا فـي المجالات العـلميـة والثقـافـيـة والاجتمـاعيـة….، فأصبحوا اليـوم أصاحب أرقـى حضارة فـي العـالم.

ومـن خـلال ذلـك، وبفعـل إيمـانهـم الـقـوي بأرضـهم وعـرضهـم، تمكـنوا مـن التمسـك بمقـومـات وجـودهم (التـاريـخ، الجغـرافيـا، اللغــة، العـادات والتقـاليـد….) ونقلـوهـا بـدقـةٍ وأمـانـةٍ لأجيـالٍ وأجيـالٍ ظلّـت (تلـك الأجيـال) متمـاسـكـةً ومتمسـكـةً بـدورهـا فـي حمـل رايـة الحـريـة والكـرامـة والعنـفـوان خفـّاقـةً عـاليـة لـم تتـأثر فيـهـا ريـاح الغـدر والعـدوان التي كانت تعصف بـها مـن كـل الاتجـاهـات وفـي معظـم الأحيـان.

لكـــن، السـؤال الـذي يطـرح نفسـه اليـوم أكـثر مـن أيّ وقـتٍ مضـى، لمـاذا تـراجـع هـذا العنفـوان؟!

ببسـاطـة، العنفـوان مسـتمـر والتمسـك بحـب البقـاء لم يتزعـزع، فالمسـيرة مسـتمرة ولا يمكـن التوقف عنهـا بالـرغم مخاطـرهـا وصعابهـا، لكـــنها تعرضت لاهـتزازاتٍ قـويـة، داخليـة (بمعظمهـا) وخـارجيـة (ببعـضهـا الآخـر)، فـتولـد الشـعـور بخيبـات الأمـل لـدى قسـم كـبير مـن أبنـاء شــعبنـا لا سـيما بعـد ازديـاد التـدخل الخـارجـي (القريب والبعيـد) فـي شـؤوننـا الـداخليـة والخـارجيـة وتـأثيره القـوي لـدى النفـوس الضعيفـة، فـي وقـتٍ كـان التـوجـهين السـياسـي والقـومـي آنـذاك غـير كـافيـين لـدى مـؤسـسـاتنا، إذ كـان نظـر البعـض منهـا في اتجـاه خـاطئ (مصالـح آنيـة) أمـا البعـض الآخـر،فـانتهـازي، ينتهـز الفـُرص لإلحـاق أكـبر قـدرٍ ممكـن مـن الضـرر بالأمـة الآشـوريـة وبمقـومـات وجـودهـا، ممـا أفسـح المجـال أمـام أعـداء الأمـة والمتضررين مـن تقـدمهـا وتوسـعهـا كالمبشّــريـن الغـربـيـين وغـيرهم، فبدؤوا بضـرب الكنيسـة المشـرقيـة أولاً وتقسـيمهـا إلـى كنائـس متعـددة نظـراً لـدورهـا الـريـادي فـي المسـيرة القـوميـة مـن دون إهمـالهـا (أي الكنيسـة) للطـابـع الـدينـي المـوروث.

ونفـس الشـيء انطبـق علـى مـؤسـسـاتنـا السـياسـيـة، التي بـدورهـا تعـرّضت لهـذا (الفيـروس) الـدخيـل القـاتـل، فانشـغلـت بـأمـور بعيـدة كـلّ البعـد عـن المصلحـة القـوميــة وباتت هـذه الـمؤسـسـات السـياسـيـة مخـروقـة مـن قبـل بعـض النـاشـطين آنـذاك، إذ تمكنـوا مـن وقـف عجلـة التقـدم داخـل المجتمـع ككـل من خـلال خلق مجمـوعـات هنـا وأخـرى هنـاك كل همهـا القضـاء علـى “الحلـم الآشـوري” الـذي بـدأ برسـم معـالمـه وإعـادة أمجـاده القـائـد الآشـوري الجـنرال آغـا بطــرس (رحمه الله) الـذي قـاد انتفـاضة تاريخيـة حينهـا، فتمّ ضربهـا مـن الخـارج وبأدواتٍ داخليـة معـروفـة.

أمـا اليـوم، فـالمـأسـاة تعيـد نفسـها إن لـم يكـن التـاريـخ بحـد ذاتـه، وكـأن كـلّ واحـدٍ منـا يحضـر فيلمـاً أميركيـاً طـويـلاً، المكـان لـم يتغـير، لكـــن الزمـان والوجـوه قـد تغـيّرت. إذ المشـكلـة الحقيقيـة، تكمـن فـي أن قيـاداتنـا وبأغلبيتهـا غـير قـادرة علـى قـراءة مـا يجـري حـولهـا أو مشـغـولـة بـأمـورهـا الـذاتيـة، بينمـا عـامـة الشـعب أدرى بتلك الأمـور وعـواقبهـا، لكـــن وللأسـف، قـوة التحـرك غـير متوفـرة لـديـه ليـأخـذ المبـادرة مـن بائعـي القضيـة ومـزوّري التـاريـخ والهـويـة.

إن الـواقـع الحـالـي والنـاجم عمـا ورد أعـلاه، هـو تقسـيمٌ عامـودي بكـل مـا لهـذه الكلمـة من معنـى،
فالهـويـة باتت هـويّـات، والتـاريـخ لا يرتاح من أصحـاب الأقـلام الصفـراء وأمـا الإســم، فبات مشـكلـةً لـدى العـديد من الجهـات!…
إذ نـرى وبـوضـوح هـذا التشـرذم والتخبّـط والتقـوقـع ضمـن أغلبيـة قيـاداتنـا السـياسـيـة ومعظـم رجـالات كنـائسـنا، وبنفـس الـوقت، وبسـحر سـاحر، تتمكـن هـذه القيـادات وأولئك الـرجـال مـن دغـدغـة مشـاعـر قـواعـدهـا مـن خـلال الضرب علـى الـوتر الحسـاس، أي المنـاداة بالـوحـدة من فـوق الطـاولـة وضـربهـا فـي آنٍ مـن تحتهـا (أي تحت الطاولـة)!.

يسـتنتـج المتتبـع مـن بعض مـا ورد أعـلاه وممـّا هـو مسـتورٌ حتـى إشـعـارٍ آخـر، أن اسـتقامـة الأمـور تأتـي مـن خـلال الأجيـال الصـاعـدة، فعلـى الأجيـال أخـذ المبـادرة لإنقـاذ مـا يمكـن إنقـاذه وذلـك مـن خـلال إعـلان “انتفـاضـة حقيقيـة” تثـور علـى هـذا الـوضـع المتعفـن والغـير مقبـول والـذي أوصلنـا جميعـاً إلـى طريق الهـلاك.

فكلنـا يعـرف مـدى قـدرة الشـباب علـى التغـيير، أجل القـدرة الحقيقيـة علـى التغـيير،  فكم مـن عـروشٍ اهـتزت تحت أقـدام الشـبان والشـابات، وكـم مـن أنظمـة بوليسـيـة تهـاوت مـن صـرخـات بُنـاة المسـتقبـل، إنـه المسـار التـاريخـي يا أيهـا القـادة (الأقـزام) ومـا مـن قـوة تمكنت مـن الصمـود فـي وجـه هـذا المسـار.

فالانتفـاضـة، باتت أمـراً ملحـاً ومطلبـاً شـعبيـاً لا مفـر منـه، والسـاعـة آتيـة لا محـالـة، وحُمـاة الهيكـل، حُمـاة التـاريـخ والهـويـة واللغـة….. لـن ينتظـروا طـويلاً حتـى يهـدمـوا الهيكـل علـى اللصـوص ليعيـدوا بنيـانـه مـن جـديـد.

غســان يونان

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.