هل حقاً مشكلتنا تكمن في التسمية !(الجزء الثالث)

بقلم سامي هاويل
هل حقاً مشكلتنا تكمن في التسمية !! ( الجزء الثالث )

10/ 10 / 2014
http://nala4u.com

في الجزئين السابقين حاولنا الوقوف عند بعض العوامل التي تدحض فكرة تحقيق الوحدة ( الوحدة التسموية)، وقبل أن نبدي رأينا في الوحدة وآلية تحقيقها، لابُدّ من الإشارة الى بعض الحقائق الأُخرى الملموسة التي تلعب دوراً إضافياً مؤثراً في إضغاف مؤسساتنا وبالتالي شَل قدرتها لإداء مهامها من أجل الأرتقاء بمستواها لخدمة مجتمعاتنا في المجال القومي.

لا يختلف عاقلان على أننا أُمة واحدة ينتمي أبنائها بكافة تلاوينهم الطائفية الى ذات العرق ، ويتميزن عن باقي الأمم بذات المقومات القومية المشتركة بينهم، كاللغة، والأرض، والتاريخ، والثقافة، أما الحدود التي تفصل بين أبناء هذه الأمة وتُقطع أوصالها، فهي بالدرجة الأولى طائفية بأمتياز، رسمتها الأجتهادات اللاهوتية والصراعات الفردية بين رجال الدين في فترات مختلفة من تاريخ كنيستنا “كنيسة المشرق”، وهنا تجدر الإشارة الى التدخلات الأجنبية منها لاهوتية وأُخرى سياسية، جميعها لعبت درواً سلبياً مؤثرا في تمزيق وحدة الصف القومي لتصل أحياناً الى درجة التحريم والقطيعة بين أبناء الأُمة الواحدة، هذه الصراعات يَسَّرت مهمة الغزاة ليعبثوا بأرضنا ويقيموا عليها مجازر رهيبة عبر الأزمان، طالت جميع طوائفنا دون أستثناء، وغيرت ديموغرافية المنطقة وعملت على محو هويتنا القومية من خلال محاولة صهر الفرد الآشوري في مجتمعاتهم وثقافاتهم بعد أن أصبحنا منقسمين الى مجاميع متفرقة تسيطر عليها قوى مختلفة، ولازالت هذه السياسات مستمرة وشاخصة أمامنا تمارس بحق الشعب الآشوري في عقر داره.

رغم كل الكوارث التي حلت علينا عبر التاريخ، وأستمرارها لحد يومنا هذا، الذي يشهد أبناء هذه الأمة كارثة قومية وانسانية أخرى تهدد كيانهم ووجودهم على أرضهم التاريخية، لازال هناك العديد من الطائفيين يتقيئون السموم داخل مجتمعاتنا ويزيدون من الأحقاد والفرقة بين أبنائها، فهؤلاء قد أعلنوا “جهادهم المقدس” لوأد أية مبادرة من شأنها أن تشكل خطوة في طريق وحدة كنيسة المشرق ووحدة الصف القومي.

وفي سياق حديثنا عن الدور السلبي للأنشقاق الكنسي الطائفي، لنستشهد بمثال عن كل طائفة لوحدها تجنباً للإطالة، سوف نكتشف المزيد من العقبات الأُخرى في طريق الوحدة المطروحة، فعلى سبيل المثال لازالت الآثار السلبية لحركة الأسقف مار باوي سورو باقية بين الكثير من أتباع كنيسة المشرق الآشورية، فإثر تصاعد وتيرة الصراع حينها بين مؤيد ورافض يعاني لحد الساعة الكثيرين من جراء مخلفاتها.

هكذا الكنيسة الشرقية القديمة، التي هي الأُخرى تشهد تصدعات وشروخ عميقة في أبرشياتها في استراليا والسويد وأميركا والعراق، بعضها بين أبناء الرعية، وبعضها بين اكليروسها، الذين بات قسم منهم يعمل بحسب أجتهاداته وأستنتاجاته الشخصية حتى في الأمور المهمة والحساسة التي تمس خصوصية أنتمائها الى الكنيسة الأم ” كنيسة المشرق”.

أما بالنسبة للكنيسة الكلدانية فهي الأخرى تشهد حالة من الصراع مماثلة لشقيقتها كنيسة المشرق الآشورية، ولكن الأمور لم تبلغ من التطور الى الدرجة التي آلت إليها في كنيسة المشرق الآشورية، حيث الصراع الدائر بين المطران مار سرهد جمو من جهة ورئاسة الكنيسة الكلدانية بشخص غبطة البطريرك مار لويس روفايل الأول ساكو من جهة أخرى، يضع الكنيسة الكلدانية أمام تحدي كبير ويشغل قيادتها عن الأمور المهمة خاصة في هذه المرحلة الصعبة، وفي ظل هذا الصراع من الطبيعي جداً أن تتولد مواقف وأصطفافات بين اتباعها، ما بين مؤيد لرئاستها ومؤيد للطرف الآخر، وهذه الظاهرة أيضاً باتت اليوم شاخصة أمامنا.

وهكذا أيضا بالنسبة لفرعي الكنيسة السريانية فهناك من التحديات والصراعات التي أثقلت كاهلها هي الأُخرى كشقيقاتها الآنفة الذكر.
وكذلك الحال عند أبناء هذه الأمة المنتمين الى الكنائس الأنجيلية، فهناك أيضاً ينقسمون بحسب أجتهادات الواعظ أو رئيس الجماعة، ولا سمح الله فلربما سنشهد تأسيس كنائس إضافية جديدة بمسميات أخرى من شانها أن تضع دعاة الوحدة بتركيب التسميات أمام معضلة جديدة تجعلهم يأخذون شهيقاً وسط الطريق عندما يلفضون أسم هذه الأمة!!.

نتسائل! أمام كل هذا الكم الهائل من الصراعات والتناقضات! ياتُرى هل فعلاً التسمية هي السبب في التشتت القومي والضعف المؤسساتي ؟ سواءً كانت المؤسسة الكنسية أو التيارات السياسية والمؤسسات القومية الأخرى ؟ ام التسمية هي مجرد غطاء تتخفى ورائه الأسباب الحقيقية.
وهل! ياتُرى وضع التسميات الواحدة بجانب الأُخرى، بواوات وبدونها، أو تركيبها بحسب الذوق والأجتهاد، أو أبتكار أُخرى جديدة تعتبرالحل لتحقيق الوحدة التي نحلم بها جميعنا؟

أساساُ هذه الوحدة التي يعمل البعض لتحقيقها يكتنفها الشك، وتشوبها العاطفة، وتفتقر الى المنطق والموضوعية، وهي بحد ذاتها ليست إلا دوران في حلقة مفرغة، كونها في الواقع أسيرة النفوذ الطائفي والصراع الحزبي والمصلحي وهي اليوم تترنح تحت وقع ظلالهما، والتمسك بها ليس إلا جرياً وراء السراب، ولن تأتي بثمار صالحة، بقدر ما تُزيد من الفرقة وتؤجج الصراع، طالما بقي باب الأجتهادات مشرعا أمام الجميع بضمنهم ذوي النوايا السيئة، ليخترع كُلٌ ما تمليه عليه مصلحته وفكره الضيق.

هذه المعاناة التي نقف أمامها ليست حالة ننفرد بها نحن فقط، بل العديد من الأمم والأوطان تعاني منها ولازالت، ولكنها تمكنت من تجاوزها عندما شخصت قياداتها مكامن الخلل ووضعت الحلول المناسبة له، هكذا يجب علينا أن نفعل، وهو ليس بالأمر اليسير، بل يحتاج الى جهد كبير وفق برنامج عمل تضعه نخب قومية يتميزون بنكران الذات ويتحلون بالأيمان القومي والصبر والإخلاص، ويكون مبنياً على المنطق والموضوعية بعيداً عن قيود العاطفة والمحسوبية.

رغم الدور الأيجابي لتوحيد طوائفنا في مؤسسة كنسية واحدة، وأندماج تياراتنا السياسية في تنظيم واحد ولكنه ليس شرطاً لتحقيق الوحدة الحقيقية التي نحن بأمس الحاجة إليها، فتعدد المؤسسات يعتبر مصدر قوة لنا في مجال العمل القومي، شريطة أن تتوحد جميعها بالخطاب القومي وتعمل من أجل تحقيق الهدف الواحد من خلال توزيع الأدوار فيما بينها، وألتزام جميعهم ببرنامج عمل مشترك متفق عليه ومخطط له.

إذاً الوحدة تكمن في صياغة الخطاب القومي الآشوري ، الذي يزيل الغبار عن القضية القومية ويعكس صورتها الحقيقية الناصعة، ومن ثم تتبناه كافة مؤسساتنا القومية سواءً كانت سياسية أو كنسية أو أجتماعية وتعمل بموجبه كلٌ بحسب دورها. وبما أن مؤسساتنا اليوم خاصة السياسية منها تفتقر الى ذلك الخطاب، وهي قد قطعت شوطاً وفق أجندات خاصة بكل منها، وبات لبعضها إلتزامات تمليها عليها تحالفاتها مع جهات من خارج البيت القومي، لذا تقع المسؤولية القصوى على النخبة القومية المتمثلة بالناشطين المستقلين من ذوي الخبرات في مجال السياسة، والكُتّاب والأُدباء وذوي الأختصاصات كالباحثين والقانونيين والمؤرخين والتربويين وغيرهم، هؤلاء جميعاً تقع عليهم اليوم المسؤولية القصوى، ويفرض عليهم الواجب القومي كي يبدأوا العمل في استقطاب بعضهم لبعض والتنسيق من أجل.

1- خلق قيادة قومية موحدة تتبنى أستراتيجية صحيحة، وتقوم بدراسة الواقع الأليم الذي تمر به الأمة الآشورية شعباً وقضية، وتضع الحلول المناسبة له، وتحدد سقف الأهداف القومية ومن ثم تبدأ العمل من أجل تحقيقها وفق مشروع قومي متكامل.

2- أختيار مجموعة من المفكرين القوميين المعروفين بتاريخهم المُشرف ومواقفهم وإخلاصهم ليكونوا المرجعية العليا للقيادة الآشورية، مهمتها النظر في كل الأمور وتقديم التوصيات لإتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.

3- إعادة صياغة الخطاب القومي الآشوري الموحد بحسب المعايير المستنبطة من الفكر القومي الآشوري.

4- وضع خطة، ورسم آلية عمل للتفاعل مع الشارع القومي في كل البلدان التي يتواجد فيها أبناء أمتنا بغية نشر الوعي القومي الآشوري، وبعث الروح القومية فيهم، من خلال إقامة نشاطات مختلفة وندوات تثقيفية مكثفة وموحدة المنهج ومدروسة.

5- أيلاء الأهتمام الكبير بالشباب الآشوري وتفعيل دورهم، وتوجيههم وحثهم للمشاركة في العمل القومي، وفسح الفرص أمامهم ليتولوا زمام الأمور في العمل من أجل تعريف القوى المؤئرة بتطلعات الشعب الآشوري وقضيتة القومية، وطرحها في كل المحافل الدولية ذات الصِلة والعمل على تدويلها.

6- إنشاء صندوق مالي موحد (خزينة مركزية)، وحث الآشوريين من رجال الأعمال وذوي القدرات والإمكانات لتمويله، الى جانب مشاركة كافة أبناء الأمة الآشورية في تمويله بأعتباره واجب ملزم للجميع، لدعم النشاطات القومية وفسح الفرص أمام إمكانية التفرغ الكامل للناشطين الملكفين بمهام خاصة في مجال العمل القومي.

7- وضع برامج تربوية للأشبال وصغار السن يتولاها المختصين في مجال تعليم اللغة الآشورية والتاريخ والثقافة القومية.

هذه هي بعض الأمور المهمة التي يجب علينا العمل لتحقيقها، فهي ليست سهلة المنال، ولكنها ليست مستحيلة، كل ما تحتاج هو تكاتف الخيرين والبدء بخطوات ثابتة ومدروسة، حينها ستعطي النتائج التي نتمناها، كونها البداية السليمة لإحياء المشروع القومي الآشوري، وإعادة الأعتبار لقضيتنا القومية من جديد بعد أن أصبحت اليوم أسيرة الصراعات الطائفية والحزبية والمصالح الشخصية. فهل سيحل علينا اليوم الذي نرى فيه هذا الحلم يتحقق ؟. وإذا ما حدث ذلك حينها سنرى أبناء هذه الأمة العظيمة بكافة أنتماءاتهم يقفون وراء الغيارى ويدعمونهم، فعندما يلوح الأمل وتكمن الثقة ستتلاشى الخلافات ولن يكون لصراع التسميات أية مكانة، وتلك هي الوحدة الحقيقية.

سامي هاويل- سدني


تنويه; موقع http://nala4u.com يتبنى التسمية الاشورية .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.