هل حقاً مشكلتنا تكمن في التسمية!(الجزء الثاني)

بقلم سامي هاويل
هل حقاً مشكلتنا تكمن في التسمية !! ( الجزء الثاني )

25/ 09 / 2014
http://nala4u.com

2- التيارات الكلدانية والسريانية:

تعتبر التنظيمات السياسية القومية تحت التسميات الكلدانية والسريانية وليدة الساعة والحدث، حيث جميعها ظهرت خلال الفترة ما بعد العام 2000، والغريب في الأمر هو أن جميع الشخصيات البارزة في هذه التنظيمات لم يكن لها أي نشاط قومي ملحوظ في السابق، فرغم توفر فرص العمل القومي السياسي بعد إقامة المنطقة الآمنة عام 1991 في شمال العراق ( آشور ) ولكننا لم نشهد أية محاولة لتأسيس حزب سياسي تحت التسمية الكلدانية أو السريانية طيلة الفترة ما بين عامي 1991 و 2000، الى أن جاء تأسيس الأتحاد الديمقراطي الكلداني بقيادة السيد عبدالأحد أفرام كأول تنظيم سياسي كلداني في منذ سقوط بابل عام 539ق م ولحد تاريخ تأسيس هذا التنظيم !! ومن ثم دعمه من قبل الأكراد لحضور مؤتمر المعارضة العراقية في لندن عام 2002 كممثل للكلدان، ( حينها أدخل ممثلوا الآشوريين رؤوسهم في الرمال وأرتضوا على تجزأتنا لقوميتين من أجل مقاعد في المؤتمر المذكور )، تلك كانت الأنطلاقة الرسمية الأولى للأتحاد الديمقراطي الكلداني كتنظيم يمثل الكلدان، ولكنه بقي مجرد عنوان دون أن تكون له قاعدة جماهيرية كونه تنظيم يفتقر الى الشرعية وينقصه الفكر القومي الحقيقي، من جانب آخر فأبناء أمتنا من الكلدان خاصة النخبة منهم ليسوا سُذج لتُمرر عليهم هكذا أمور ، ولو نظرنا الى تطلعاته القومية نجدها محصورة بين المطالبة بالإقرار بالوجود القومي الكلداني وحق التمثيل في السلطات، وبين بعض الأنشائيات الوطنية الأُخرى، بينما يقف الحزب بعيداً عن مطلب الأرض القومية الذي يمثل الركن الأساسي في نظال أي تنظيم يدعي بأنه قومي.

أما في المهجر، وفي إطار حملته لخلق كيان قومي منفصل تحت التسمية الكلدانية، دفع سيادة المطران مار سرهد يوسف جمو بقوة في أتجاه تأسيس كيان قومي كلداني، فتكللت جهوده بالنجاح حيث تأسس المجلس القومي الكلداني في نيسان من عام 2002، أما لماذا هذا التوقيت ؟ لأنه وبعد أن لاحت بوادر حتمية إزاحة النظام البعثي من سدة الحكم في البلاد، فمن المؤكد بأن الدستور سوف يخضع للتغيير ويتم صياغة آخر جديد بديلاً له يتماشى مع تيار التغيير في البلاد، وإذا ما تمت الإشارة لهذه الأمة قومياً كآشوريين في الدستور الجديد فهذا يعتبره نجاحاً كبيراً لكنيسة المشرق التي تحمل في عنوانها الأسم الآشوري، هذه الكنيسة ستستمد القوة من الأسم القومي أكثر من بقية كنائسنا ( الكلدانية والسريانية )، وستعتبر هي الأصل والبقية فروع أنشقوا منها في فترات مختلفة من التاريخ، وعليه عمل سيادة المطران ومعه الناشطين الكلدان على إدخال التسمية الكلدانية في الدستور العراقي لتستمد الكنيسة الكلدانية هي الأُخرى قوتها وأصالتها من التسمية القومية الجديدة التي لها صلة بالتاريخ القديم للبلاد، بأختصار شديد فشعار الدفاع عن الوجود القومي الكلداني وحقوق الكلدان لم يكن إلا عنواناً كبيراً يُخفي خلفه النوايا الحقيقية التي لا تتخطى خارج حدود المنافسة والصراع الطائفي.

إن عملية أستحداث قومية جديدة خاصة في مرحلة أنتقالية حرجة تتسارع فيها الأحداث ليس بالأمر السهل، فرغم وجود أرضية خصبة لذلك ولكن الأمر يحتاج الى جهد كبير وشرعية قانونية وتاريخية ومؤسساتية ، لذلك كان لابُد من أختصار الطريق بأي شكل، لذلك أتجهت بوصلتهم في البداية نحو الحركة الديمقراطية الآشورية بأعتبارها التيار القومي الوحيد المؤثر على الساحة العراقية، ولما تحضى به من قاعدة جماهيرية واسعة ، بالإضافة الى عضوية سكرتيرها السيد يونادم كنا في مجلس الحكم، وهكذا أسفرت المشاورات الى عقد أجتماع في مقر الحركة الديمقراطية الآشورية في العراق بتاريخ 2/6/2003، حضره سيادة المطران مار أبراهيم ابراهيم ومجموعة من الناشطين الكلدان، أتفق فيه الطرفان على أن يعمل سكرتير الحركة بحكم تواجده في مجلس الحكم لتثبيت التسمية المركبة ” الكلدوآشورية” في دستور البلاد المرتقب.

كما ذكرنا فالطرف الأول لم تكن تهمه الوحدة بقدر أهمية إدراج التسمية الكلدانية في الدستور العراقي، سواءً كانت مستقلة لوحدها أو مركبة لا يهم، أما الطرف الثاني “قيادة الحركة” فهدفها كان أصوات أبناء الكنيسة الكلدانية خاصة بعد توسع ساحة العمل السياسي ليشمل المدن الوسطى والجنوبية، بالأخص بلداتنا في سهل نينوى التي غالبية سكانها من أتباع الكنيسة الكلدانية. هكذا قرر الطرفان تبني التسمية الكلدوآشورية كتسمية قومية ، ومن ثم إضافة الثقافة السريانية إليها للألتفاف على أصوات أتباع الكنيسة السريانية، فأصبحنا الأمة الكلدوآشورية وثقافتنا سريانية وأرضنا “كوردستان”!!!!!!، وحقوقنا طواها النسيان، وبغية الهروب من المسؤولية التاريخية، وإعطاء الشرعية الشعبية لهذه الصفقة، تقرر عقد مؤتمر قومي عام، فبدأت التحضيرات له من قبل الحركة الديمقراطية الآشورية والمنظمة الآثورية الديمقراطية، دُعي إليه كافة كنائسنا وغالبية مؤسساتنا القومية في الداخل وفي المهجر، وما كان على الحضور في ذلك المؤتمر إلا وضع بصمتهم على الطبخة الجاهزة ( التسمية المركبة ) ثم عادوا الى قواعدهم متوهمين بأنهم حققوا إنجازاً كبيراً في طريق الوحدة القومية سيشهد له التاريخ.

بعد شرعنة التسمية الكلدانية كتسمية قومية الى جانب الآشورية في هذا المهرجان الكبير، شعر المتنفذين بأن أهدافهم الحزبية تسير نحو التحقيق، ولكن سرعان ما تبددت أحلامهم الوردية لتتحول الى كابوس إثر تصريح المطران مار كوركيس صليو ممثل كنيسة المشرق الاشورية والذي أبدى فيه رفضه للتسمية المركبة، تلاه البيان الصادر من مطارنة الكنيسة الكلدانية الذين أيضاً بدورهم رفضوا التسمية المركبة، ومطالبتهم بتثبيت الكلدانية كتسمية قومية مستقلة عن الاشورية!، كل هذا التحول تم خلال فترة شهر من أنعقاد المؤتمر المذكور!!، منذ ذلك الوقت بدأ العد التنازلي لإقصاء قضيتنا القومية من الساحة السياسية، فدخلت في دوامة صراع التسميات لينتهي المطاف بها اليوم كجزء عسير الذكر من مسيحيي العراق.

تجدر الإشارة الى محاولات التهجم المستمرة على النخب القومية التي كانت تعي جيدا ما وراء الستار وبقيت متمسكة بجلودها وهويتها الآشورية، فقد بدأوا ينعتوهم بالعنصريين، والسوبر آشوريين، وأبطال الأنترنت، وأبطال ما وراء البحار، وسكنة الصوامع، والى ما لا نهاية من التهم التي بالحقيقة لم تكن إلا محاولات للتستر على فعلتهم بعد أن أنهارت خلفهم كل جسور العودة الى المسار الآشوري لهؤلاء القائمين على إقصاء المسالة الآشورية من خلال بدعة التسمية المركبة.
هكذا بدأت تظهر على الساحة تنظيمات قومية أُخرى تحت التسميات الكلدانية والسريانية، غالبيتها تضع فواصل قومية بين أتباع كنائسنا الكلدانية والسريانية والشرقية الآشورية، وتعتبر هذه التسميات الثلاثة قوميات منفصلة عن بعضها!!.

من ناحية أُخرى، لو فرضنا جدلا بأن التنظيمات القومية العاملة تحت التسمية الكلدانية أو السريانية تعطي طابع شمولي لأي من هذه التسميات بأعتبارها تشمل أتباع الكنائس الثلاثة، لربما كان بالإمكان التصديق بأن الخلاف هو تسموي فقط، ولو كان لهم الأيمان بأننا ننتمي الى ذات العرق القومي، لكانت أمكانية حل المعضلة يسيراً، ولكن أعتبارنا ثلاثة قوميات مختلفة فهذا يعتبر كفراً وإلحاداً، وينصب في مصلحة الأعداء لا غيرهم.

المثير للجدل هو عندما نبحث عن أي مشروع قومي لدى دعاة الكلدانية والسريانية فلا نجد له أثر، وعندما نبحث عن حقوق قومية أيضاً لن نرى أي وجود لها في أجنداتهم وعملهم على الساحة السياسية، عدا ذكر بسيط لذلك نقرأه في المناهج السياسية لبعضهم مصاغ على شاكلة مطاليب بعض التيارات السياسية الآشورية، وكأنه مستنسخ بالكامل مع تغيير التسمية فقط، كالإقرار بالوجود القومي تحت هذه المسميات، وبعض الحقوق الخجولة التي لا ترتقي الى مستوى الطموح القومي، ليست مهمة! فالمهم عندهم هو صياغة برنامجهم السياسي بشكل يجعلهم أحرار في العمل على الساحة ويمكنهم من إقامة التحالفات مع أية جهة عراقية بسهولة، لأنها برامج تضعهم كتيارات تدعي النضال القومي في منأى عن أي أصطدام مع أجندات التعريب والتكريد والأسلمة، فمهمتهم هي تثبيت التسمية الكلدانية والسريانية في دستور البلاد كقوميات منفصلة عن الآشورية، يضاف الى ذلك بعض المناصب الإدارية في مؤسسات الدولة. بينما نجد هذه التنظيمات ومؤآزريها الغارقين في الفكر الطائفي يقضين ولا يفوتون فرصة للتهجم بقوة على كل ما هو آشوري، أبتداءً بادنى مستويات الشتم والتشهير وصولا الى محاولات إلغاء الآشورية بأعتبارها عدوهم اللدود قبل الفصائل الإرهابية وفي مقدمتها داعش، ووصل بهم العقم الفكري لينسبوهم بحسب بحوثهم تارة الى كلدان الجبال، وأُخرى الى أسباط اليهود الضائعة وثالثة الى السريان ورابعة الى الآراميين، حتى وصلت ببعضهم الأحقاد الى تحريض العراقيين ضد أخوتهم من خلال أعتبارهم غرباء وافدين الى العراق، لذا برأيهم يستوجب إما إقامة سميل ثانية بحقهم أو تجريدهم من جنسيتهم العراقية ورميهم خارج الحدود.

هؤلاء “النابغة” القلة القليلة من أبناء أمتنا في الكنيستين الكلدانية والسريانية من حَمَلة هكذا فكر إقصائي وعدائي والذين يحاربون التسمية المركبة بشراسة، كان البارزين فيهم من المتفقين في باديء الأمرعليها، فلو كان بإمكانهم لوحدهم المُضي قدما بمشاريعهم لفعلوها منذ اللحظة الأولى دون أن يكترثوا لوحدة هذه الأمة، ولكنهم يعلمون جيدا بأن قربهم من الآشورية يرفدهم بالشرعية، فهو لهم شَرُ لابُدّ منه، لإن الآشورية هي هوية قومية شاملة أستمدت شرعيتها من عمقها التاريخي ونضال أبنائها بكافة أنتماءاتهم الكنسية وأرتوائها بدمائهم الطاهرة، وإبداع ابنائها الغيارى الذين صانوا مسيرتها القومية بفكرهم النَيّر.

وهؤلاء القلة القليلة لا يحضون بأدنى مستويات الدعم من لدن أبناء أمتنا في الكنيستين الكلدانية والسريانية، وما نتائج الأنتخابات لجميع الدورات إلا دليلاً قاطعا على ذلك، ولولا المساندة والدعم الإعلامي لهم من قبل بعض رجال الدين في الكنيستين المذكورتين لما تمكنوا من تعبئة حتى أقرب المقربين لهم، ولكن يبقى سر استمرارهم في الشرعية التي تمنحها لهم التيارات السياسية الآشورية، وبعض النخب القومية الذين يحاولون أحتواء الخلاف من خلال القبول بالوسطية المتمثلة بالتسميات المستحدثة.

من جانب آخر فلو فرضنا جدلاً بأن كل واحدة من هذه التيارات الثلاثة قد حققت تقدما معينا في مسار العمل القومي، ووصلت الى نقطة شلّت فيها حركة تقدمها بسبب عملها كلٌ على حِدى، لذلك تطلب الأمر أيجاد حل ولو آني لأجتياز المرحلة وتحقيق الأكثر، لكان ذلك قد شكل عُذراً ربما يبرر آلية تحقيق الوحدة بصيغتها المطروحة بينهم، ولكن هذا الأفتراض ليس له وجود، فدعاة الكلدانية والسريانية لم يحققوا قيد أنملة من الأهداف في إطار مفاهيمهم القومية، أساساً لم نسمع عن اي تحرك لأحد من هذه التيارات السياسية في أتجاه تقديم لائحة مطاليب الحقوق القومية كلدانية كانت أو سريانية. في الوقت الذي صمتوا صمت القبور على بعض الأحداث نذكر منها:

1- الأعتداءات التي حصلت على أهالي قرية سناط.
2- لف نعش شهدائنا من قرية صورية بالعلم الكوردي والكتابة على قبورهم باللغة الكوردية.
3- الأعتداءات الصارخة على أبناء أمتنا في زاخو وشيّز ونوهدرا إثر أحداث حرق محلات بيع الخمور.
4- مواقف أدنى من أن تكون خجولة عند وقوع مجزرة كنيسة سيدة النجاة.
5- عملية ذبح صوت الناخبين إثر سرقة صناديق الأقتراع المخصصة لسهل نينوى عام 2005.
6- القضم المستمر لأراضي بلدة عينكاوا وغيرها من القرى والقصبات الأُخرى التي يسكنها أبناء أمتنا من الكلدان والسريان.
7- الغياب الشبه الكامل من تحمل المسؤولية القومية والسياسية والإنسانية للجريمة البشعة التي تعرض ويتعرض لها أهلنا في سهل نينوى.

نتسائل! أليس هؤلاء غالبيتهم القصوى من الكلدان والسريان؟
ألا نسمع ونقرأ بين الحين والآخر لهؤلاء السياسيين في التنظيمات الكلدانية والسريانية ومؤازريهم بأنهم يشكلون الغالبية القصوى من مسيحيي العراق ؟
أين هي مواقفهم تجاه كل هذه الجرائم المرتكبة بحق هؤلاء الأبرياء المغلوبين على أمرهم ؟

أما على صعيد التيار الآشوري فقد تم إقرار بعض الحقوق، كتدريس اللغة وإقرار العطل الرسمية، هذا ايضا كان بفضل تأثير الحركة القومية الآشورية وصداها في الوطن طيلة فترة القرن من الزمان، يضاف الى ذلك دعم الشارع الآشوري للتيارات القومية الآشورية يَسّرَ عملها وشرعن وجودها على الساحة السياسية ولكنها هي الأُخرى أخفقت في ترجمة الطموح القومي في مسار تحقيق الأهداف القومية، لإسباب ذاتية متعلقة بهذه التنظيمات، مما أنعكس بشكل سلبي على أدائها سواءً على مستوى التعامل مع الأزمات الداخلية في المجتمع الآشوري، أو على مستوى العملية السياسية في الوطن بشكل عام.

كل ما ذكرته أعلاه يضاف إليه الجزء الأول من المقالة، يؤكد لنا بأن التسميات ليست إلا عناوين أُخفيت ورائها الأسباب الرئيسية للإنقسامات داخل أمتنا، لذا أقف مستغرباً حائراً أمام محاولات بعض الأخوة في أستخلاص وأقتراح مصطلحات وتسميات قديمة جديدة بين الحين والآخر كحلول لإحتواء الأزمة، في الوقت الذي نجد فيه كل المحاولات التسموية كالكلدوآشورية والكلدانية السريانية الآشورية والسورايا والآرامية وحتى المظلة الدينية المسيحية طيلة الفترة الماضية قد منيت بالفشل الذريع في تحقيق الوحدة.

فإذاً أين تكمن الوحدة ؟ وكيف سيتم تحقيقها ؟؟ سؤال مهم ومطروح أمام الجميع لمناقشته، بالنسبة لي سوف أُبدي رأيي المتواضع بصدده في الجزء القادم من المقال.

سامي هاويل- سدني


تنويه; موقع http://nala4u.com يتبنى التسمية الاشورية وغير ملزم ما يسمى بكردستان .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.