الهجرة.. ذلك الجرح الذي لا يلتئم

بقلم نشوان جورج
الهجرة.. ذلك الجرح الذي لا يلتئم

01/ 03 / 2014
www.nala4u.com

تعود اولى الهجرات الى آدم وحواء حيث كانت شجرة التفاح التي مثلت لهما طيب المذاق ومتعة الحواس وقيمة للإدراك والفطنة، حينما تناولت حواء من ثمارها واعطت رجلها لكي يأكل منها، فتفتحت اعينهما وادركا الخير من الشر ودفعا الثمن بعقوبة الطرد والنفي من الجنة وفقدان كل هناءاتها وافراحها ومآمنها هذه الرواية تعتبر ولادة اول هجرة في تاريخ الانسان.

وكان ابراهيم ارغم على ترك مدينة اور وارغم على قطع روابطه مع أُناسه ليلبي نداء الرب، مهاجراً من اجل البحث عن الارض الموعودة.

وبعيدا عن الاساطير بأمكاننا الإشارة الى الوقائع التاريخية التي جسدها كريستوفر كولومبس على سبيل المثال، الذي عكس تلك الحاجة القوية لدى الانسان في البحث عن المجهول واكتشاف العالم الجديد.

ولعل من المفيد، ذكر هجرات الشعوب الكبيرة نتيجة لعوامل تاريخية ونذكر اقدمها هجرات القبائل في اوروبا وآسيا باتجاه الغرب إبان سقوط الامبراطورية الرومانية، تمت هذه الهجرات بعد رحلة كولومبوس حيث هاجر اكثر من ستين مليون اوربي الى قارات اخرى، والاسباب كانت الفقر والحروب والأوبئة وايضا لأسباب سياسية ودينية ارغمت مجاميع بشرية كبيرة على الهجرة.

الهجرة كظاهرة تعني الانتقال من بلد الى آخر غريب وبعيد، او الى منطقة اخرى ضمن فترة زمنية طويلة. وبإمكاننا اعتبار الانتقال من القرية الى المدينة او تغيير المدينة بالقرية او تغيير المنطقة الجبلية بالسهول او حتى تغيير المنازل لبعض الناس، يمكننا من وجهة نظر نفسية اعتباره هجرة ايضاً. وهناك من أرغموا على العيش بعيداً عن اوطانهم ويصنفون ضمن فصل المنفيين لأسباب سياسية ودينية وايديولوجية والمشردين او المطرودين واللاجئين ممن لا يستطيعون العودة الى اوطانهم.

وبأمكاننا ان نصنف الهجرة الى اجبارية واختيارية فمابين الأعوام 1947 و 1950 على سبيل المثال ارغم عشرة ملايين نسمة ولأسباب سياسية ودينية على الهجرة من باكستان الى الهند وسبعة ملايين نسمة من الهند الى الباكستان.

وهناك هجرات تأتي نتيجة بعض التغييرات الاجتماعية المهمة، اذ تستدعي مقاومة هذه التغييرات لانها ترتبط بالخوف من فقدان القيم والشروط الحياتية وخسران الذات فتكون الهجرة سلاح المقاومة.

نشر موقع كلام اول تقريرا اعده الاب جبرائيل نداف وقدمه لمؤسسة حقوق الانسان حول هجرة المسيحيين بالارقام جاء فيه :

  • يصل تعداد المسيحيين في المنطقة العربية إلى ما بين ١٢ الى ١٥ مليون نسمة غالبيتهم يعيشون في مصر، ويتوقع بعض المراقبين ان يهبط الرقم الى ٦ ملايين نسمة فقط بحلول عام ٢٠٢٠ ، نتيجة موجات الهجرة المتوالية للمسيحيين.
  • تشير الدراسات الى ان تعداد المسيحيين في تركيا بلغ مليوني نسمة عام ١٩٢٠ وتناقص الى بضعة آلاف وهو ما يهدد الحضور المسيحي التاريخي هناك.
  • في سورية كان تعداد المسيحيين في بداية القرن العشرين يقارب ثلث السكان، وتناقص حالياً الى أقل من ١٠ في المئة من مجمل الشعب السوري.
  • عام ١٩٣٢ كان المسيحيون يشكلون ما يقرب من ٥٥ في المئة من السكان المقيمين في لبنان، وأصبح يدور حول ٣٦ في المئة من السكان فقط، فيما تعتبر مصادر ان هذا الرقم غير دقيق وان النسبة لا تقل عن ٤٠ في المئة.
  • التقديرات في مصر متضاربة، حيث يرى بعض الاسلاميين ان تعداد الأقباط لا يزيد عن ٦ في المئة من السكان، فيما ترى المصادر القبطية ان العدد يراوح ما بين ١٢ و ١٥ في المئة من السكان.
  • في الناصرة كان تعداد المسيحيين يصل الى ٦٠ في المئة من السكان عام ١٩٤٦ وتناقص الى ٤٠ في المئة عام ١٩٨٣ والعدد آخذ في التناقص يوماً بعد يوم . أما القدس فإن حالة المسيحيين فيها تبدو أكثر إيلاما، كان تعداد المسيحيين فيها عام١٩٢٢ – ١٥ الف نسمة في حين بلغ تعداد المسلمين ١٣ ألف نسمة. أما في الوقت الحالي لم يعد المسيحيون يشكلون أكثر من ٢ في المئة من السكان في القدس الغربية. وفي بيت لحم يصل عدد المسيحيون اليوم الى 2%
  • الوضع في العراق أكثر سوءا ، ففي ظل حكم صدام حسين بلغ تعداد المسيحيين اكثر من ٨٠٠ الف نسمة من مجمل السكان الذين يعدون ٢٦ مليون نسمة في ذلك الوقت، وتضاءل عددهم كثيرا في ظل الاحتلال الاميركي وتنامي عمليات القتل والترويع الى حد انهم أصبحوا بضعة آلاف. ولخص الاب جبرائيل نداف : إن هجرة المسيحيين في حال استمرارها هو ضربة عميقة توجه إلى صميم مستقبلنا.

وفي دراسة قدمها الدكتور هاشم نعمة عن مراحل تطور الهجرة في العراق اشار إلى ان ظاهرة هجرة العراقيين تعد ظاهرة حديثة بالمقارنة مع بقية الدول المجاورة أو الدول الأخرى، اذ لم يعرف تاريخ العراق المعاصر حدوث هجرة واسعة يمكن الحديث عنها باستثناء هجرة اليهود العراقيين إلى اسرائيل في عام 1948 ـ 1951 وعدا ذلك فأن اعداداً قليلة منهم كانت تهاجر إلى الخارج قبل مجيء سلطة البعث إلى الحكم في انقلاب 1968 .

وبحسب مصادر عراقية رسمية تعود إلى عام 1957 فإن عدد العراقيين المسجلين في الخارج بلغ 42464 فقط، وتناقص العدد بحسب المصادر نفسها إلى 25857 في عام 1965 وواصل العدد بالتناقص إلى ان وصل إلى 3145 عراقي فقط في عام 1967.

لكن تيار الهجرة بدأ يتصاعد بعد انقلاب عام 1968 نتيجة السياسة القمعية والفكرية للنظام السابق.

وفي تقرير لمنظمة العمل العربية صدر في منتصف السبعينيات اشار إلى هجرة 4192 من أصحاب الكفاءات العلمية العراقيين إلى الخارج، واستمر تيار الهجرة بسبب سياسات نظام البعث وقيامه بحملات قمع لضرب معارضيه وتكرار عمليات عسكرية لقمع الحركة الوطنية الكردية، وطبقاً للتعداد السكاني في العراق لعام 1977 فان مجموع العراقيين المقيمين في الخارج والمسجلين لدى السلطات الحكومية فقط بلغ 142.280 نسمة.

ونشر الموقع الفرنسي “Portes ouvertes” مقالا في اواخر تشرين الأول 2011 وترجمه موقع “النشرة” اللبناني حول ما يجري من تفريغ بغداد والبصرة من سكانها المسيحيين، والمدن التي يتواجدون فيها بكثافة مثل الموصل وكركوك وجاء في المقال ان عدد المسيحيين في العراق يتضاءل بشدة، وأعمال العنف المسيطرة على البلد تستهدفهم بشكل خاص مما دفع بالآلاف منهم الى مغادرة مدنهم ومنازلهم الى اقليم كوردستان أو الى دول المهجر واشار المقال الى ان ما يقارب الـ (345) ألف مسيحي هو مجموع ما تبقى من المسيحيين في العراق في حين قارب عددهم المليون قبل سقوط النظام السابق.

يقف المرء حائرا امام اسباب الهجرة فالاسباب اليوم لا تعد ولا تحصى وفي مقدمتها الاوضاع الامنية المتدهورة في اغلب مناطق العراق كما ان السبب الاكبر هو في الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة فلم نشهد حكومة استطاعت ان تقدم خدمة للمواطن العراقي يستطيع من خلالها ان يؤمن لنفسه حياة كريمة اسوة بالدول التي يهاجر اليها ويرى فيها مبتغاه.

وكي نبرر اتهامنا للحكومات نذكر على سبيل المثال استراليا خلال عامي 2002 _ 2003 حيث قدمت إدارة خدمات العائلة والمجتمع التابعة للحكومة المركزية في استراليا حوالي 2.5 مليار دولار استرالي الى حكومات الولايات والمقاطعات ومنظمات المجتمع لتوفير وإدارة خدمات مثل الإسكان العام والرعاية والدعم والتوظيف للأفراد المعاقين ولرعاية الطفولة ولتحسين العلاقات الاسرية ومعالجة مشكلة التشرد وعدم وجود مسكن. وخلال الازمة المالية التي ضربت العديد من الدول ومن ضمنها استراليا التي شهدت ارتفاعا كبيرا في اسواقها بلغ ستة بالمئة بزيادة واحد بالمئة عن سوق هونغ كونغ، اعلن رئيس الوزراء الاسترالي ان بلاده ستخص مبلغ 7.4 مليار دولار امريكي لتعزيز اقتصاد البلاد، وقال إن المبالغ المالية ستنفق لزيادة الرواتب والضمان الاجتماعي للأسر وزيادة المنح للساعين لشراء اول مسكن لهم ولمشاريع البنية التحتية ايضاً.

اما نحن في العراق فإننا وبحسب التقرير الاقتصادي العربي لعام 2008 الصادر في بيروت مؤخراً فإن بلادنا تمتلك مخزوناً من النفط والغاز يوازي في مجموعه اكثر البلدان غنى بالنفط في العالم والمواطن العراقي ينتظر مساعدة مالية او إعانة من دول هي اقل اموالا من بلدنا العراق!!

أليس من حق المواطن العراقي ان يفكر في هجرة بلده؟ أليس من حقه ان يقول بأن هذا ليس بلدي؟. إن لم يدفع الوطن من اموال شعبه حفاظاً على حياة وكرامة ابنائه فكيف سيعتز المواطن بوطنه؟!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.