هويتنا القومية,تسميتنا المسيحية ورؤساء الكنائس

بقلم ســامي بلّـو
alkoshbello@hotmail.com
هويتنا القومية وتسميتنا المسيحية … ورؤساء الكنائس

19/ 12 / 2012
http://nala4u.com

هل كُتب لشعبنا ان يُطعَن في ظهره دائما من قبل رئاساته الكنسية ؟ وهل في الموضوع سر لانعلمه في اقدام رؤساء الكنائس على تهديم الجهد القومي، والوقوف حجر عثرة امام اي عمل يقدم عليه ابناء شعبنا في مسيرته الشاقة لاثبات هويته القومية ؟ وهل يتلذذون بذميتّهم ، واصبحت جزء من تراثهم المقدس لا يمكنهم التخلي عنها ؟ قبل ايام قرأنا رسالة احد هؤلاء الاباء بمناسبة عيد الميلاد ، ينصحنا ان نكون مطيعين للمسؤليين الحكوميين للدولة التي نعيش فيها ، الطاعة للمسؤول ليست كما الالتزام بالقوانين ، الطاعة هي نوع من تراث العبودية ، وحتى الجيوش لم تعد تستعمل هذا المصطلح ، وبامكان الجندي ان يرفض الاوامر اذا كانت تخالف حقوق الانسان على سبيل المثال ، والبطريرك الذي يعيش في امريكا التي يستطيع فيها ابسط مواطن ان ينتقد الرئيس جورج بوش ، ينصحنا بالطاعة للمسؤولين الحكومين ، لكي نعيش بسلام كما تقول رسالته. لماذا يحاول هؤلاء الرؤساء الدينيين أن ينسفون كل ما تحقق وما يتحقق لنا بفعل الجهود التي تراكمت من تضحيات ابناء شعبنا ، متمثلة بنضال احزابه السياسية ومثقفيه وابنائه البررة على الساحة العراقية من اجل احقاق حقوقنا القومية على ارض الاباء ؟
لقد اجتمع رؤساء الكنائس العراقية ، ويا ليتهم لم يجتمعوا ، لان مقولة المسيح قد فقدت مفعولها على رؤساءنا “الروحانيين” فكلما اجتمع اثنان منهم ، يبدو ان يسوع قد قرر ان لا يكون ثالثهم ، لان محبة شعبهم ليست على طاولة اجتماعاتهم ، ولو كانت محبة الشعب هي التي تجمعهم لرأينا يسوع ماثلا في قراراتهم ، ولما كانت قراراتهم ضد رغبات شعبهم ، هؤلاء السادة قد قرروا ان ينصبوا انفسهم اولياء سياسين بدون منافسين على ابناء شعبنا ، مستغلين ايمان شعبنا العميق ومحبته لكنيسة، وعبثا يحاولون ان يوهموا شعبنا بانهم لا يتدخلون في السياسة ، لان المخفي تحت جببهم قد بان جليا للجميع في اجتماعهم الاخير . لقد انتهك هؤلاء قدسية درجاتهم الكهنوتية ، فما نسمعه منهم لا يطابق ما نراه لهم من افعال على ارض الواقع . ولكي اقرب الصورة الى القارئ الكريم اورد بعض الامثلة على اقوالهم المتناقضة مع افعالهم :
من مقابلة مع البطريرك عمانوئيل الثالث دلي التي اجراها معه رئيس تحرير مجلة الزنبقة الاب بيوس قاشا ، ونشرها موقع عنكاوا في 28 ايلول 2007 نقتبس ما يلي : “” الزنبقة : السياسة لرجال السياسة والدين لرجال الدين .. هل الكاهن رجل دين ام رجل سياسة ؟ .. وكيف يتعامل الكاهن مع السياسة ،……………….. ماذا تقول الكنيسة .. وماذا يقول غبطة ابينا .. والى مَ ترشدنا ؟
البطريرك : تمام ، رجل الدين يجب ان يكون رجل دين وليس رجل سياسة ، ولكن عليه ان ينتبه الى ابنائه ، وعلى ما ينشر حتى يوجه الغير الى الطريق المستقيم المؤدي الى الله والمصلحة العامة .. وهذه ليست سياسة ، يجب على رجل الدين ان لا يتدخل في السياسة ولكن ان يوجهها الى الطريق الصحيح ، وهذا ما تطلبه الكنيسة ، لان السياسة هل حب المصلحة الذاتية ، ولكن رجل الدين عليه ان ويجه السياسة الى الحياة الابد والدفاع عن حقوق الانسان ، وهذا واجب على كل رجل دين “”.
يلاحظ القارئ الكريم ان الخط الذي رسمه البطريرك بين السياسة والدين في اجابته ، تَقصّد ان يكون غير واضحا ، وهكذا رسم لنا صورة ضبابية ، الغاية منها ان يجعل لنفسه ولزملائه فسحة واسعة للتدخل في شؤون شعبنا السياسية . ولا اريد التطرق هنا لعدم ردّ سائله عندما قام بتسميتنا بالعرب في سؤال اخر ، وسأتناول ذلك في مقال لاحق .
أن محاولة البطريرك مار عمانوئيل دلي وتشبثه لتعينه عضوا في مجلس الحكم العراقي بعد احتلال العراق عام 2003 لا يمكن ان يفسر الا نشاطا سياسيا صرفا . يقول السفير بول بريمر في مذكراته للسنة التي قضاها حاكما على العراق، وبعد انتهائه من اختيار اعضاء مجلس الحكم للعراق ، نقرأ في الصفحة 99 من مذكراته ما ترجمته: “” وبعدها بدا لي ان أُعِلم بعض المرشحين بانهم لن يكونوا اعضاءا في المجلس . الاول كان الاسقف (البطريرك) دلي ، رئيس المسيحيين الكلدان . ان الاقلية المسيحية العراقية ، مثلها مثل بقية الانقسامات الطائفية في البلاد ، فانها مجزأة ايضا . هناك الكلدانيون ويبدوا انهم اكثر عددا من الاشوريين المسيحيين ، ولكنهم ليسوا منظمين ، وسياسيا ، هم اقل نشاطا. وحفاظا على الهدف في اختيار اقل عدد ممكن من الممثلين ، كان لدينا مكان في المجلس لممثل واحد فقط للمسيحيين ، لقد اخترنا ممثلا من الاشوريين المسيحيين وتوقعنا بان يسبب هذا عدم رضى عند الكلدانيين . وكنا على صواب ، لانه في ذلك المساء فان قلب الاسقف (البطريرك) لم يكن يفيض بالمحبة المسيحية ، وبعد ان ابدى تذمره من انه قد ابعد (من هذا المنصب)، فقد غادر وهو في نوبة غضب “” .
مثال اخر لتعاطي رؤساء الكنائس للسياسة هو البيان الذي ذيله المطران مار شليمون وردوني حول محضر الاجتماع الاخير لرؤساء الكنائس في بغداد ، والمحاور التي تم تدارسها والقرارات التي صدرت عنهم ، ومعظمها كانت سياسية صرفة ، مما لا ينسجم مع تصريحاتهم ومسؤولياتهم الكنسية ، وهي محاولة لسحب البساط من تحت اقدام احزابنا وسياسيينا، وبالتالي هو امر يرفضه شعبنا رفضا قاطعا. ان قرار اقامة حكم ذاتي او ادارة ذاتية في سهل نينوى يعود الى شعبنا ، وهو من يقرر ذلك من خلال ممثليه السياسين بالتشاور فيما بينهم بما يخدم مصلحة شعبنا ، وفي الوقت الذي نرى بان التشاور بين قادة الاحزاب واباء الكنيسة سوف يغني جهود احزابنا ، نرى بان شعبنا لا يمكن ان يقبل بان يكون هذا القرار كنسيا . كما ان بيان اجتماع رؤساء الكنائس ، رفض تسمية احزابنا بالاحزاب القومية ، واطلق عليها تسمية الاحزاب المسيحيية ، علما بان ليس لدينا حزبا في العراق يعمل تحت التسمية المسيحية ، ولم نسمع من اي منهم اية شعارات مسيحية ، فجميع هذه الاحزاب تعمل بايدولوجية قومية ، وتحت الشعارات القومية !

وما ينطبق على البطريرك مار دلي ينطبق على غيره . البطريرك مار دنخا هو ايضا يصرح بانه لا يتدخل في الامور السياسية لشعبنا ، في الوقت الذي قفز على جميع احزابنا القومية عندما التقى السياسيين والمسؤلين الاكراد ، وتحدث معهم حول قضايا مصيرية لشعبنا ، سواء في اللقاءات المعلنة ، او تلك التي لم تعلن ، وهكذا تجاوز على جميع احزابنا ومنظماتنا القومية ، ونصب البطريرك نفسه ممثلا سياسيا عن شعبنا. وفي الوقت الذي تقوم بعض الاطراف العراقية بابعاد رجال الدين الاسلامي عن الساحة السياسية بكل السبل المتاحة ، ومنعهم من ممارسة السياسة ـ ونحن لا نلومهم ـ في الوقت الذي يتوددون ويتقربون الى رجال الدين المسيحي ويشجعونهم على تعاطي السياسة ، ويتعاملون معهم على انهم ممثلينا الشرعيين ، والغاية واضحة ، وهي تهميش دور احزابنا القومية ، واظهار رجال الكنيسة امام شعبنا كقادة لابديل لهم ، ولكن هيهات ان تتحقق غاياتهم امام وعي شعبنا ، وان شعبنا يتوقع من رجال الكنيسة ان يحفظوا مقاماتهم ويتمنى عليهم عدم الانزلاق في مسارات لا تخدم قضيتنا القومية ولا الكنسية.
فاذا كان شعبنا على علم بمن يرسم الخطط وينفق الاموال لمسح هويتنا القومية، والاصرارعلى تسميتنا بالمسيحيين فقط ، تارة بالمسيحيين العرب واخرى بالمسيحيين الكرد ، فان هذا الشعب بكل فئاته يقف مستغربا امام تصرف رؤساء الكنائس في محاولتهم لتهميش هويتنا القومية ، واستغلال الخلافات السياسية بين احزابنا القومية ، والتصيد في الماء العكر لمستنقع التسميات التي أُوقِعَ شعبنا فيه ، تماما كما يفعل الاخرون ، كل هذه الافعال توحي الى ابناء شعبنا بان رؤساء كنائسهم يسلكون نفس المسار الذي رسمه الاخرون لمسح هويتنا القومية ، سواء كان مصادفة وبحسن نية ، ام بقصد مع سبق الاصرار !
ان اعتزاز شعبنا بهويته القومية لا يقل عن اعتزازه بمسيحيته ، واستمرار رؤساء كنائسنا في محاولاتهم لمسح هويتنا القومية هو اجراء يتسم بالريبة ، ويوجه لهم اصابع الاتهام ، على الاقل بالسير عكس ارادة ابناء امتنا ، وبدلا من الانزلاق في متاهات السياسة نتوقع منهم ان يلتفت كل منهم الى امور كنيسته ، وان يفكر اولا في ترتيب بيته من الداخل ، بعد ان اصبحوا في وضع لا يحسدون عليه ، فمطارنة الشمال للكنيسة الكلدانية لا زالوا يطلقون نداءاتهم لاجل تنظيم الكنيسة وتجديدها وفتح الحوار مع كنيستهم الشقيقة كنيسة المشرق بفرعيها ، ولا زالت رئاسة الكنيسة الكلدانية تتجاهل نداءاتهم ، وتحاول تهميشهم والتقليل من شأنهم ، ومعلوماتنا تفيد بان الكثير من ابناء الكنيسة الكلدانية ، وخاصة المثقفين منهم، هم مع مطاليب مطارنة الشمال ويجدونها منطقية ، وان على رئاسة الكنيسة التجاوب معهم ، والجلوس الى طاولة الحوار . وكذلك مشكلة ابرشية كاليفورنيا لكنيستنا الشرقية هي الاخرى بانتظار الحلول الناجعة . ان استمرار مثل هذه الحالة داخل الكنيسة لا تخدم الكنيسة ولا شعبها .

ســامي بلّـو

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.