مِنْ مُذكَّرات إِنْسَانَة .مُجْتمع / 6 قُفَّةُ المُشْتريات(سَلَّة المسْواق)

شذى توما مرقوس
مِنْ مُذكَّرات إِنْسَانَة
ــ مُجْتمع ــ / 6
قُفَّةُ المُشْتريات
( سَلَّة المسْواق )

16/ 08 / 2012
http://nala4u.com

بقلم : شذى توما مرقوس                                 
الأحد 21 / 8 / 2011                                     

شَهْرُ الصِيام ، والعِبادَةُ لله في أَوْجِها وتَجْعَلُ النَّاسَ مُتَحفِّزين لِلتَوثُّبِ على الآخَرِين ، فالأَعْصابُ مُتوتِرَة ومَشْدودَة كأَوْتارٍ شُدَّت إِلى الأَقْواسِ ومِن المُمْكِن أَنْ تَتْفلِتَ في أَيَّةِ لَحْظَة عَنْها فتُصِيبُ أَهْدافَها وغَيْر أَهْدافها  ……. الحُروب ثُمَّ الحَرّ وضُغوطات الحَيَاة الأُخْرَى تَجْعَلُ العِبادَة مُكلِفَّة لِلنُفُوسِ والأَعْصابِ أَكْثَر …..فكُلّ كلِمةٍ هي مَدْعاةُ اسْتِفْزاز لِلمُقابِل ، وكُلّ حَرَكةٍ لَها تَفاسِير أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَمِل …….                                             
العِبادَةُ على أَشَدِّها ، مُمْكِن مُلاحَظَة ذلك في الشِجاراتِ الكَثِيرَة الَّتِي تَدورُ في كُلِّ لَحْظَة بَيْنَ النَّاسِ والوُجوهِ المُتَجَهِّمَةِ الشَاحِبَةِ والشِفاهِ المُتَيبِّسةِ ……….. أَتْفهُ الأَسْبابِ هي مَدْعاةٌ لِلشِجاراتِ وسُوءِ الفِهْمِ ، وكأَنَّ كُلّ صَائِمٍ بِصَوْمِهِ قَدْ حَمَّلَ الله والنَّاس مِنَّة صِيامِهِ وتَعبُّدِهِ ، كذلك انْعِدامِ اللُطْفِ والاحْتِرامِ في التَعامُلِ مابَيْنَ النَّاسِ ، وفي كُلِّ لَحْظَةٍ هُناكَ مَنْ يَنْفَرِطُ مِنْ عِقْدِ إِرادَتِهِ زِمامَ التَحكُّمِ في أَعْصابِهِ فيَتشَاجرُ ويَتعارَكُ ويَسْعَى البَعْضُ لِتَهْدِئةِ الوَضْعِ فيَصِيحون : ” إِنَّهُ صِائِم …. إِنَّهُ مُتْعبٌ مِنْ أَثرِ الصِيامِ ” .                                         
كما يُمْكِنُ مُلاحَظَة الكرَاهِية في العُيون لِغَيْرِ الصَائِمين فيَتُمُّ التَحرُّش بِهم وتَعْييرِهم بِعَدَمِ صَوْمِهِم ………..                                                                                           
شَهْرٌ يَنْتَزِعُ عَنْهُ مُؤمنيهِ صِفَةَ الكَرَمِ بِهَزِيلِ أَفْعالِهِم نَزْعاً ……فأَيْنَ الكَرَم مِنْ انْفِلاتِ الأَعْصابِ والشِفاهِ المُتَيبِّسةِ والسَحْناتِ المُتَجَهِّمَةِ أَوْ المُتْعبَة والتَهجُّم على الآخَرِين والمُشاجراتِ والدُعاءِ على الآخَرِ ………                                                             
كَيْفَ يَكونُ الكَرَمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَسامُحاً وانْسِجاماً وسَخاءً في المَحَبَّةِ والسَلامِ ….. قبولاً لِلآخَرِ المُخْتَلِف في تَوجُّهاتِهِ في الحَيَاةِ مِنْ دِينٍ أَو طائِفَةٍ أَوْ لا دِين ، لُطْفاً مَعَ المُحِيطين ودَماثَةً في التَعاطِي مَعَهُم ، شُعُوراً بِمَنْ يُحْتَّكُ بِهم ، مُساعَدَةً لِلمُحْتاجِين ، اقْتِصاداً في الطَعامِ ونُهوضاً إِلى العَمَلِ الجَادِّ الخَيِّر ، سَخاءً في المَحَبَّةِ والسَلام …………                           
صِفوا كَرَماً لَهُ وَجْهٌ آخَر غَيْر هذا ……                                                                 

قَالَتْ إِحْدَى الزَمِيلات في العَمَلِ إِنَّها تَهيَأَتْ لأَولِ يَوْمٍ مِن الصَوْمِ جَيَّداً حَيْثُ قَامَتْ بَعْدَ إِعْلانِ النَبأ بِبِدئ الصَوْمِ غَداً في الراديو والتلفزيون بِأَكْلِ دَجاجَةً مَشْوِيَّة مَعَ رَغيفٍ كبِيرٍ وبَعْض السَلَطاتِ والمُقَبِّلات ، وشَرِبَتْ لتْراً ونِصْفه مِن الكولا ، وعلى بَوْحِها كانَتْ مَعِدتها قَدْ اسْتَقْبلَتْ مايُعادِلُ كيلو حَتَّى الكيلو والنِصْف مَادَة غِذائِيَّة و ثلاثةَ أَلْتارٍ مِن المَاءِ والكولا ، وهكذا كانَتْ قَانِعَةً في اليَوْمِ التَّالي ولَمْ تُعاني مِنْ مَشَقَّةِ الصِيامِ لِليَوْمِ الأَولِ لَكِنَّها كانَتْ تَشْكو مِنْ أَلَمٍ في مَعِدتِها قَلَّ تَأْثِيرهُ بِتَتالي السَاعات ………..                                     
……. تَزَامنَتْ عَوْدَتي مِنْ عَمَلِي مَعَ عَوْدَة الكثِيرين إِلى بِيوتِهم بِقُفَّاتِ مُشْتَرياتِهم مِن الغِذاءِ والحَاجاتِ …….. إلخ  اسْتِعداداً لِساعاتِ الإِفْطارِ ………..                                         
بَيْنَ ومَعَ الجُموعِ المُتزاحِمَةِ اسْتَقليْتُ إِحْدَى سياراتِ النَقْلِ الصَغِيرَة المُتَعارَفِ عَلَيْها لِلتَنقُّلِ وتَسِعُ ثَمانيةَ عَشَر رَاكِباً ، لكِنْ غَالِباً ماكانَ عَدَدُ الرُكابِ يَرْبُو على هذا بِخَمْسَةِ أَوْ سِتَةِ أَفْرادٍ أُخَر أَوْ المَزِيد لِقِلَّةِ سياراتِ النَقْلِ وأَسْباب أُخْرَى كالعَجَلةِ وشِدَّةِ الحَرِّ والزُحام ……… إلخ .                                                                                                           
نَزَلَ أَحَدَهُم في إِحْدَى المَناطِقِ ، وبَعْدَ دقائِق ثَارَتْ عَاصِفَةٌ مِن النِقاشِ وعَلا صُراخُ البَعْض في السَيارَةِ فصَارَ أَحَدَهُم يَشْتُم والآخَر يَسُبُّ والثَالث يَدْعو على النَازِلِ دُعاءً حَارِقاً ، لَمْ يَفْهمْ البَعْض ماحَدَثَ بِالضَبْط فصَارَ يَسْأَلُ عَن الأَمْرِ وكانَ إِنَّ النَازِل الأَخِير سَرَقَ سَلَّةَ المُشْتَريات ” المسْواق ” مِنْ إِحْدَى النِساءِ الجَالِساتِ إِلى جَانِبِهِ في السَيارَةِ ولَمْ تَنْتَبِه إِلى ذلك إِلا بَعْدَ حِيْن ………                                                                                   
الجَمِيع صَبَّ جَامَ غَضَبِهِ على السَارِق ……….                                                       
تَبادَرَ إِلى ذِهْني ماالَّذِي يَجْعَلُ إِنْسَاناً طَامِعاً في سَلَّةِ مسْواق لِيَسْرِقها ….. رُبَّما في نَفْسِيَّتهِ خَلل أَوْ عَطَب ما يَجْعَلَهُ دَؤوباً على سَرِقةِ كُلِّ مايُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَسْرِقَهُ ، أَوْ رُبَّما إِحْتَرفَ السَرِقَة صَنْعَةً لَهُ ، أَوْ قَدْ يَكونُ عُضْواً في مَجْموعَةٍ ما رَاضِخاً أَوْ بِإِرادَةٍ مِنْهُ تَسْرقُ كُلَّ مايُمْكِن ثُمَّ تُصرِّفها إِلى الأَسْواقِ ، أَوْ …..  أَوْ …….. إلخ ، كُلُّ الإِحْتِمالاتِ وارِدَة .           
لَكِنَّ الصُورَةَ الَّتِي تَشبَّثَتْ بِذَيْلِ خَواطِري إِنَّني تَخَيَّلْتُ السَارقَ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَ كَرَامَتَهُ أَمامَ زَوْجَتِهِ وأَوْلادهِ فيَعودُ إِلى البَيتِ بِسَلَّةِ مسْواقٍ وإِلاَّ فما الَّذِي يُطْمِعُ إِنْسان في قُفَّةِ مُشْتريات …… أَظنَّهُ الجَائِع أَوْ المُعِيل لأُسْرَةٍ جَائِعَة وفي شَهْرٍ يُثْقِلُ الأَكْتاف أَعْباءً مُزادَة والَّذِي لاخيارَات أُخْرَى لَدَيْهِ هو الوَحِيد الَّذِي يَطْمَعُ في سَلَّةِ مسْواق وتكونُ مُنَى أَحْلامِهِ وتَحلُّ مُشْكِلَةً آنِيَّة لِعَائلتِهِ وتَحْفَظُ كَرَامَتَهُ كرَجُلٍ مَسْؤولٍ عَنْ إِعالَةِ أُسْرَة ( على اعْتِبار إِنَّ المَواد الغِذائِيَّة سَرِيعة العَطَب أَصْلاً فكَيْفَ إِنْ كانَ انْقِطاع الكهْرباء لِساعاتٍ وكذلك الحَرّ دَيْدَنُ الأَيامِ  في هذا البَلَدِ ) …………                                                                         
بَدَا الوَضْعُ كما المأَساة ، فالَّتِي سُرِقَتْ مِنْها قُفَّةَ مُشْترياتِها كانَتْ في حُزْنٍ شَدِيدٍ وتَبْكي نُقودَها الضَائِعَة فهي لَيْسَتْ بِثَرِيَّة ، إِنَّها تَعِيشُ كفافَ يَوْمِها …………                         
نَعم الوَضْعُ قاسٍ ومُؤْلِم ، فَقِيراً يَسْرقُ فَقِيراً آخَر ، أَمَّا سَارِقي الثَروات مِنَ الفَاسِدِين مُهابي الجَانِب ، مُرْتَكبي النَخْر والخَلل والأَعْطاب البَالِغة في المُجْتمعِ ، فيَسْرقون ويَمْتَصُونَ دِماءَ الآخَرِين ولا أَحَدَ يَشْعُرُ بِهم أَوْ يُحاسِبهم ، أَو يُغَضُّ الطَرْفَ عَنْ سَرِقاتِهم خَوْفاً ومَهابَةً أَوْ تَراضِياً وتواطُؤاً …………                                                                             
البَطالَة وقِلَّةِ فُرصِ العَمَلِ لِلعَيْشِ الكرِيم على أَشدِّها وكانَتْ كثْرَةُ المَصارِيفِ في شَهْرِ الكَرَمِ والصِيامِ أَيْضاً في أَوْجِها ……….                                                                       
الفَقِير يَسْرقُ الفَقِير لأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثَرِياً مُتَمكِّناً للُوحِقَ وقُبِضَ عَلَيْهِ وهَدَموا حَيَاتَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ خَرَاباً …. المُتَمكِّنُ مَحْمِيٌّ لأَنَّ المُجْتَمع يَهابَهُ فيَحْمِيهِ ، بَيْنَما الفَقِير مَهْدور الحُقُوق في مُجْتَمعٍ لايَحْمي إِلاَّ الأَقْوِياء بِسُلْطَةٍ أَوْ مَال أَوْ مَرْكز …… إلخ  .                               
جَرَّني هذا الحَدَث إِلى قِصَةِ ” اللَّصُ والكِلاب ” لنجيب محفوظ في إِحْدَى تَفاصِيلها حَيْثُ السَيدَة وزَوْجَها قَدْ سَرَقوا وسَرَقوا الكثِير واحْتَالوا مُحْتَمِين بِسُلْطَةِ غِناهُم ، بَيْنَما لاحقوا بِكُلِّ شَراسةٍ وقَسْوَةٍ سَيدَة فَقِيرَة وكانَتْ أُمَّاً لأَطْفالٍ صِغارٍ تُعاني شَظفَ العَيْشِ سَرَقَتْ وتَحْتَ وَطْأَةِ مُعاناتها الجُلَّة مِنْ إِحْدَى مَحلاتِهم الكثِيرَة والمُنْتشِرَة قِطْعَةَ مَلابس صَغِيرَة لِحاجَةِ طِفْلها إِلَيْها ، قِطْعَة واحِدَة فَقَطْ  لاتُناطِحُ قِيمَتها ثَمنَ فنْجانِ قَهْوَة تَرْتَشِفهُ رَبَّةُ هذهِ الأَمْلاك كُلَّها  .                                                                                                         
أَيْضاً إِنْعطَفْتُ بِذاكِرتي لِذلك الحِيْن من يَوْمِ عَمَلٍ إِشْرافيٍّ على إِحْدَى الخُطوط الانْتاجِية إِذْ حَضَرَ رئيسُ العُمَّال يَلوِّحُ لأَحَدِهِم بِورَقةِ فَصْلِهِ عَنْ العَمَلِ لأَنَّهُ سَرَقَ بَيْضَة ، بَيْضَة واحِدَة فَقَطْ  ، وبَرَقَ في وَقْتِها خَاطِرٌ مَرِيرٌ مَدْهُونٌ بِسُخْرِيَةٍ قَاسيةٍ مِن واقِعنا فعَنَّ لي : لِماذَا لا يُخْضِعون السَارِق هذا لِعَملِية فَتْح البَطْنِ لاسْتِخراجِ البَيْضَة المَسْروقَة أَوْ يُحْبسُ في قَفْصٍ ما حَتَّى يَبِيضُ ثَانِيَةً البَيْضَة الَّتِي سَرَقها وأَكلَها …… هذا الآثم …… !!!                       
  نَسيْتُ فَقَطْ أَوانَها الاسْتِفْسار إِنْ كانَ قَدْ أَكلَها مَسْلُوقَة أَمْ مَقْلِيَة أَوْ ……  نَيَّة باعْتِبار إِنَّهُ في عَجًلةٍ مِنْ أَمْرِهِ لإِخْفاءِ آثار جَرِيمتِةِ ولَيْسَ في الوَقْتِ فائِضٌ لِسَلْقِ البَيْضَة أَوْ قَلْيها  !!!
وبِما إِنَّهم يَتوخونَ عَدالَة القَصاص لهذا العَامل الآثم فبِأَيِّ وَضْعٍ يُرِيدونَ اسْتِرداد البَيْضَة : نيَّة ، مَسْلُوقَة أَمْ مَقْلِيَة ، أَمْ الأَمْرُ سَيَّان  .                                                             
إِنْ كانَ مِنْ بَيْنِ الأَغْراضِ الإِنْسَانِيَّة ، العَدَالَة ، فلِماذَا تُطَبَّق بِأَوْجُهٍ ومُسْتوياتٍ هَوْجاء مُتَناقِضَة ؟                                                                                                   
لِماذَا هي مِسْطَرَة الضَمِير الإِنْسَانِيِّ مُتَقَلِّبَةُ المَزاجِ لِحَدِّ الانْتِهاكِ والتَجاوزِ والدَّوْسِ والرَفْسِ والدَهْسِ لِكُلِّ مَنْ لاتَنَالَهُ الحُظْوَة ؟                                                                       

يَدْعون على شَخْصٍ سَرَقَ سَلَّةَ مسْواق بَيْنَما يُصَفِقون لِلقادَةِ مِمَّنْ يَمْتَصون دِماءَ الشُعوبِ ويَتْركونهم عَظْماً وجِلْداً ، ويُربِّتون على أَكْتافِ المَحْميين المُهابِين مَهْما اقْتَرفوا وعاثُوا فَساداً  …………                                                                                           
الدُعاء هو سِلاحُ الضُعفاءِ مِمَّنْ يَفْتَقِدون الوَسِيلَة لِمُواجهَةِ الحَدَثِ أَوْ الأَمْرِ الواقِع فلا يَجِدون مَفَرَّاً يُفْرِغون بِهِ غَيْظَهم أَوْ احْتِجاجَهم أَوْ اسْتِنكارَهم سِوَى الدُعاء …………       
الدُعاء سِلاحٌ غَيْرُ فَعَّال ، بَلْ سِلاحٌ فاسِدٌ لامَفْعولَ لَهُ ……….                                     

بأُمْنِياتِ ذِكْرياتٍ سَعِيدَة لِلجَمِيعِ أَخْتُمُ وَرَقتي .                                                         
مَعَ الوِدِّ والمَحَبَّة                                                                                           

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.