خطة إنقاذ الشعب في لاهوت مار بطرس الرسول

بقلم مسعود هرمز النوفلي
خطة إنقاذ الشعب في لاهوت مار بطرس الرسول

11 / 11 / 2011
www.nala4u.com

كم هي رائعة ومُهِّمة رسالة مار بطرس الرسول الأولى التي كُتبت الى المُختارين الذين دعاهم “شعب الله” المغتربين والمتشتتين في شمالي آسية الصغرى في خمسِ مقاطعاتٍ. هؤلاء المُتشتتين كانوا من اليهود الذين ضاقت بهم الحروب والأسرى والمسبيين في مختلف الدول كما هو الحال عندنا نحن المسيحيين المُتشتتين في خمسٍ وستين دولة مع الأسف. الرسول يُقدّم خُطة لأنقاذهم من الحال الذي كانوا فيه، هذه الخطة تشمل تعاليم الرب الجديدة.

لنرى بأختصار خطة الرسول في انقاذ شعبهِ عسى ولعل نستفاد منها نحن أيضاً في إنقاذ شعبنا المغترب في دول العالم والمظلوم من قِبَل إخوَته في وطنهِ وأرضهِ وفي وطنيته الأصيلة والمُتشتت جغرافياً وكنسياً في الداخل والخارج.

يصف الرسول بطرس نفسهُ في 1 : 1 بأنه “رسول يسوع المسيح” لأنه الشاهد والصديق للرب في حياته وموتهِ وقيامته، ولهذا عليه واجب مُهم وهو إرشاد الشعب الجديد الذي آمن بالرب من مُنطلق مسؤولياته الأيمانية ونشر الرسالة من أجل إنقاذهِ. الشعوب تلك، كانت لها ثقافات مُختلفة وطُرق معيشية متنوعة فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين الشعوب المُجاورة لها من جهةٍ أخرى، فيا تُرى كيف سيتعامل الرسول في إرشاد هذه المجموعات المتنوعة لرسم الخطة وتنفيذها عملياً؟

في 1 : 3 يؤكد الرسول بأن الشعب الجديد وُلِدَ ثانية لرجاءٍ حي، هذه الولادة تمّت بقيامة الرب يسوع من بين الأموات. إذاً نحن، وبالتشابه مع أولئك علينا أن نولد ثانية أيضاً لنقوم بعد أن أصابنا التشتت والأحداث المأساوية التي صادفتنا وتعايشنا معها ولا نبقى أسرى للماضي السحيق بتصرفاتنا وأحاديثنا. مار بطرس يدعو الشعب الى تحمل كل المصائب والمِحن التي من المُمكن أن تُصادفهم في التغيير ويعتبرها مثل الأمتحان الذي غايته النهائية خلاص الأنفس. ولكن كيف نصبر ونتحمّل الوضع المؤلم الذي نحن فيه من أجل الخلاص والقيامة؟

لماذا يأتي الرسول بكلمة الأمتحان؟

برأيي أقول، أن السبب هو انتقال هذا الشعب الى حياة جديدة كلياً تختلف عن عاداتهم السابقة وطريقة عيشهم مع اصدقائهم الآخرين الذين لم يُؤمنوا، وكذلك التمسك بالأرشادات السماوية التي جاء بها الرُسل في نقل البشرى الجديدة كألصلاة والصوم والعفة وكل انواع التقوى. طريقة العيش الجديدة يعتبرها اختبار حتى يتجاوز الشعب كل التقاليد القديمة البالية ويتمسك بما هو جديد من حيث الأخلاق والأخلاص في العمل والوصول الى النعمة التي تقودهم الى الخلاص من المآسي التي يعيشوها. ولهذا نراه في 1 : 13 يدعوهم الى حياة القداسة الكلية والأبتعاد عن الشهوات والطمع ويسترسل بذلك الى أن يقول لهم بأن الله هو غاية ايمانهم ورجائهم. حيث في 1 : 23 يقول “فأنتم ولدتُم ولادة ثانية، لا من زرعٍ يُفنى، بل من زرعٍ لا يُفنى، وهو كلمة الله الحية الباقية”.

السؤال لنا: هل نحن كشعب المسيح مُتمسكين بما يقول الرسول، أم نحن في ظلال نتقاتل بيننا على مواضيع تافهة مثل ما يدور الآن بين المؤمنين وهُم مُبتعدين كثيراً عن هذه التوصيات الإلهية؟ وهنا أقول الإلهية لأنها من فم الرسول بطرس هامة الرسل مؤسس الكنيسة بعد أن وضع الرب حجرها الأول. ان الله هو غاية الأيمان، هل نفهم ذلك أم نتمرد حتى لا نُطبّق ونسُدَّ الآذان حتى لا نسمع وكأن الرسول وغيره قد كتبوا لغيرنا وليس لنا، انه لأمر عجيب أن يحدث للشعب المؤمن الآن وفي القرن الواحد والعشرين بأن يتخذ له آلهة أخرى ودعواتٍ لا صلة لها بالأيمان لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ وهو مُتشتت ومُغترب وآيل للذوبان والزوال! فبدلاً من أن يتخذ البعض الله كغاية أصبح هؤلاء يتخذون القومية كغاية للأيمان مع الأسف.

في 2 : 1 يقول الرسول “فأنزعوا عنكم كلّ خُبثٍ ومُكرٍ ونفاق وحسدٍ ونميمةٍ”. انها كلمات ذهبية علينا أن نتمسك بها إذا نحن مسيحيين بالفعل، ولكن إذا نحن مسيحيين بالأسم فقط، عندها لا نستطيع تجاوز هذه الكلمات وتبقى عقولنا أسرى للنفاق وعدم التكلم بصراحةٍ وصدقٍ وبطريقة صافية كي تخدم كل المؤمنين في حياة القداسة. هل نحن بالفعل نُطبّق اقوال صخرة الكنيسة مار بطرس أم لا؟ أتمنى أن نفهم ايماننا لنعرف ما أطيبه وما أروعة حيث يعتبرنا الرسول في توجيهاته بنفس الأصحاح بأننا حجارة حية في بناء مسكنٍ روحي والسبب لذلك هو قوله في 2 : 4 ” فأقتربوا من الرب، فهو الحجر الحيّ المرفوض عند الناس، المختار الكريم عند الله”. هل نحن فعلاً أحجار حية مثل الرب، أم صمّاء؟ فمثلاً كيف يسمح موقعاً ما، الذي يُمثل أبرشية معيّنة بنشر مقالات النفاق والنميمة والتهجم على أبناء شعبه؟ إذا هكذا موقع يسمح بذلك فلا يوجد عتباً على المواقع التجارية أبداً، أين نحن من كلام الرسول عند المساهمة في نشر الفرقة والتخريب والعداوة بين أفراد شعب واحد وللأسف أقول أن هذا الموقع هو بإدارة رجال دين إرتضوا لهم إلاهاً جديداً!

في الحقيقة انها توصيات رائعة جدا ولا توجد أجمل منها ولكن أقول وللأسف الشديد نحن لا نُطبّقها، والذين يُطبقونها قلّة جداً. الرب يسوع كما نؤمن، هو الحجر الذي رفضه البناؤون وهو الذي صار رأس الزاوية في البنيان الشامخ الى الأبد وكل من يؤمن به لا يقع، وبهذا الصدد يقول الرسول في 2 : 8 ” هو حجر عثرةٍ وصخرة سقوطٍ، وهم يعثرون لأنهم لا يُؤمنون بكلمة الله، هذا هو مصيرهم”. عثراتنا تزداد وكل يوم مصائبنا تنهال على رؤوسنا ولا نقدر إلا أن نتكلم الواحد على الآخر ولا نتّعظ ولا نستفاد من أخطائنا. كيف نستفاد من أخطائنا إذا نركب رؤوسنا ونتكبّر ولا نعترف بأننا أخطأنا؟ وفوق هذا كلِّه يأتي البعض ويُشجّع الخاطئ ويمدحهُ ويدفعه بالأتجاه العكسي للمسيرة، فإذا بقينا كذلك فإن الله لا يُساعدنا بالتأكيد، ولا فائدة من صلواتنا وقداديسنا حتى لو أصبحت كل البيوت كنائس!

علينا أن نفهم هذه الأقوال بحكمة اليوم لكي نتخلّص من الأمور التي تقودنا الى الظلام بدلاً من النور، لقد شبعنا من قراءة الأقوال والكتابات الهدامة التي تجعل ابناء شعب واحدٍ مُجزّئين مقهورين ومُهانين في دُوَلٍ كثيرة والأسباب تكمن فينا، لأننا لا نتكلم بأقوال الرب ولا نلتزم بطُرقهِ الربانية. أنا خاطيء ،ولكن دراساتنا العلمية واللاهوتية تُثير بنا كل الحماس لنكتب بدون خوفٍ، ونصرخ بوجه كلّ من يُسيّس الأهداف الأيمانية لغايات مكشوفة زمانية زائلة حتى لو تكلّم كل العالم علينا. الرسول يحثّنا على ذلك حيث يقول في 3 : 14 ” لا تخافوا من أحدٍ ولا تضطربوا”. لماذا يقول ذلك؟ الجواب الشافي هو عنده، عندما يُؤكد بأن علينا أن نتوقع العذاب عند عمل الخير. من هنا السكوت عن الخطأ هو الذي يأتي بالعذاب الحقيقي للأنسان وليس الأنسان الذي يؤكد للحق والخير. السكوت عن الخطأ عند الغالبية يقود الى الهاوية والى الدمار ولا نتوقع الخلاص بمسح الأكتاف والتودد للخاطئ وصاحب المصلحة.

في 3 : 1 وبعده هناك نصائح مهمة جدا للمتزوجين للرجال والنساء وبعدها يتطرق مرة أخرى الى احتمال الآلام حيث يؤكد في 4 : 14 بالقول “هنيئاً لكم إذا عيّروكم من أجل أسم المسيح، لأن روح المجدِ، روح الله يستقر عليكم”. لا نهتم إذا عيّرونا وتكلموا علينا وينتقدونا من أجل المسيح وطريق الأيمان الصحيح لأن الذي يتحلّى بالمزايا الأيمانية لا يسقط. ليبقى من يرغب على أفكاره وفق النظرات السحيقة البالية التي تقود الشعب الى الهاوية، ولكن في المقابل هناك من لا يسكُت عندما يُشاهد أخيه وأبن شعبه يقع في الحفرة وعلى يد إخوته المؤمنين بين الأحجار والصخور في الأعماق.

الفقرة الأخيرة صادفتني شخصياً العالم الماضي وأنا أكتب دروس عن الشأن القومي والقومية وعهد الله هو الأسمى من القومية وغيرها بحيث أستلمت ثلاث مراتٍ أقوال من إخوتنا يقولون لي بالنص ” لماذا تضع آيات أنجيلية في كتاباتك؟” ماذا يكون جوابكم الى هؤلاء الأخوة من أبناء شعبنا؟ الأيمان ايها الأعزاء هو ليس كلمات مكتوبة في كتابٍ فقط، وإنما الأيمان الحقيقي هو تطبيق هذه الكلمات بالأعمال حرفياً لنكون خميرة ونورا للعالم وإلا، لا داعي أن نقول نحن مسيحيين. الرعية عليها ان تشهد للعالم وتمزج الكتاب المقدس في كل غذاءٍ روحي وجسدي لنُبرهن للعالم بأن المسيحي هو ابن الله بالأفعال وليس بالفلسفة الكلامية في محاضرة ينتهي مفعولها بإنتهاء المحاضرة أو الجلسة. لماذا ندرس ونتثقف وننال الشهادات إذا نضعها على الرفوف ولا نستفاد منها يا رجال ديننا ومؤمنينا؟ الدور الأكبر هو لرجال الدين لكي نفهم منهم كلّ ماهو صحيح عن الأيمان وليس العودة بنا الى أيام ما قبل الرب ونبش الماضي الوثني. في المسيح أصبحت حياتنا جديدة وبدأت كما يقول الرسول في ارشاداته الى المؤمنين الجدد في آسية الصغرى. لنترك الأفكار البالية التي انتهت مع قدوم الرب، كم أتمنى أن يُرشدنا آبائنا في الأيمان لحياة القداسة والقيامة الجديدة للشعب عكس ما يقوم به الآن البعض منهم في إرشاد الناس الى الحياة التي كانت قبل أن يبدأ الرسول بطرس بكرازته. هل يقوم بعض الآباء الآن بدور مار بطرس في ارشاد الشعب؟ نتمنى ذلك وليس العكس. الرسول يطلب منا أن نكون شعب حي بالله إذ يؤكد في 2 : 10 بالقول ” وما كُنتم شعباً من قبل، أما اليوم فأنتم شعب الله”. كيف نكون ذلك وإذا نحن بعيدين عن المحبة والتجديد والعبادة الصحيحة التي تُرضي الله؟ هل يُفكّر بعض الآباء ان الذي يقومون بهِ في عكس البوصلة بالأتجاه المعاكس للمحبة والتجديد وتوحيد الكنائس وتوقير اسم الله بأن عملهم هذا سيقود الشعب الى الهاوية والضياع النهائي؟

“على الجميع أن يلبسوا ثوب التواضع في معاملة بعضهم البعض وأن يعيشوا الأيمان بصورة تقترب من المثالية لأنهم يُمثلوا الرُسل وعمل المسيح على الأرض، أن الله يصُدُّ المتكبّرين ويُنعم على المتواضعين ( 1 : 5).” هذه أقوال صخرتنا وليست لي.

وأخيراً، لا ننسى بأن الشيطان يُقاوم الكنيسة(شعب المسيح) ويحوم حولها لتدميرها وتجزئتها أكثر وأكثر، فكيف يأتي البعض بحجج مختلفة لتصب أفكارهم وآرائهم خدمة للأبليس؟ نحن بيننا غير مُتفقين تجاه بعضنا البعض، وكل واحد يُكيل التهم للآخر أحيناً بحق وأحيناً أكثر بدون حق، فكيف سيكون لنا تأثير على الآخرين في المجتمع من الأديان الأخرى؟ إننا نخسر حياتنا ورسالتنا ونبقى مُهمّشين ولا نقوم ورُبما نتشتت أكثر ونندثر الى الأبد.

مسعود هرمز النوفلي
11/11/2011

تنويه (nala4u) ; الموقع يتبنى التسمية الاشورية كقومية ولغة وتاريخ .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, دين. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.