أمــا آن للبـــنان أن يرتـاح؟…

بقلم غســان يونان
أمــا آن للبـــنان أن يرتـاح؟…

11 / 03 / 2011
http://nala4u.com

منـذ بدايـة النزاع العربي الإسـرائيلـي، وتحديداً العـام 1948 م. ولبـنان يدفـع فاتـورة هـذا النزاع أكـثر من غـيره، إن كـان من خـلال حـلٍّ أو تـأزّمٍ فـي خلافـات الدول المجـاورة أو الإقليميـة، وذلــك على أرضـه.

وبعـد عـدة حروب قصيرة بين الكيـان الصهيوني من جهـة وبعض الدول العربيـة من جهـة أخـرى، كانت النتائـج للأسـف تأتي لصـالح هـذا الكيـان ـ ولا حاجـة للخوض في أسـباب تلـك النتائـج التي باتت معروفـة للجميـع ـ وبعـد تيقـّن أغلبيـة دول المجـابهـة بـأن لا مجـال ولا مقدرة لديهـا لفرض حلول عسـكريـة، أو “مـا أوخـذ بالقـوة، لا يُسـترد إلا بالقـوة!!” دخلت تلـك الدول، المفاوضـات المباشـرة مـع الإسـرائيليين وأعـادت مـا لم تتمكـن من إعـادتـه (أي أراضيهـا المحتلـة) منـذ بدايـة هـذا الصـراع الطويل الأمــد، وهـذا كـان عين الصواب، إذ ليـس بالقـوة فقط تؤخـذ الحقوق وتصـان الكرامـات.

عندئـذٍ انفردت قلـّة من الأنظمـة المجـاورة لإسـرائيـل وحفـاظـاً على اسـتمراريـة وجودهـا القابـع علـى صـدور مواطنيهـا، وتحت شـعـار “دول الممانعـة” أو “الصمود والتصدي” بتعريض المنطقـة إلـى هـزات وهـزات دفـع ولا زال يدفـع ثمن مغامراتهـا الدول الصغيرة “التي لا حول ولا قـوة لهـا”، ومن هـذه الدول المغضوب على أمرهـا ـ لبــنان ـ، إذ بعـد ثلاثـين عامـاً من الاحتلال السـوري والتدخـل الإيرانـي فيمـا بعـد في شـؤونـه الداخليـة (لبـنان)، تنفـس اللبـنانيون الصـعداء في نهـايـة نيسـان الماضي (2005) وذلـك نتيجـة للإنسـحاب السـوري. حيث اعتقـد اللبـنانيون بـأنهم قـادرون على حكم أنفسـهم بأنفسـهم وأثبتت “ثـورة الأرز” هـذه الإعتقادات واطمـأن الشـارع اللبـنانـي للمتغيرات الجديـدة أمـلاً منـه بـأن كل اللبـنانيين سـينضمون إلى قـافلـة ثـورة الأرز “الرابع عشـر من آذار”. لكــن، بـدا جليـاً، أن مـا تم بنـاؤه في الثلاثين سـنة الماضيـة، لم يكـن إلا عقيـدة وآيديولوجيـة أكـبر بكـثير من حلم اللبـنانيين الأحـرار الذين شـاؤوا أن يروا بلـدهم سـيداً حـراً مسـتقلاً. فكانت ردة فعـل الفريق ـ الذي اعتبر نفسـه متضرراً من الخروج السـوري ـ، السـير تحت شـعار الثامن من آذار ((تيمنـا بثورة الثامن من آذار الشقيقة!!!!)) والتي أدّت إلى قيـام “ثـورة الأرز” المذكورة “الرابع عشر من آذار” التي احتوت كل مكونـات الشـعب اللبـنانـي والتي كـانت الحلـم الـذي انتظـره اللبــنانيـون منـذ عشـرات السـنين.

والمؤسـف، أن بعض القـادة اللبـنانيين، فضلوا مصالحهم الحزبيـة أو ارتباطـاتهم الإقليميـة علـى المصلحـة الوطنيـة العـامـة وارتمـوا في أحضـان أعـداء هـذا البلــد، وأدت النتيجـة إلى مـا أدت إليـه من دمـار وخـراب للبـنان أكـثر ممـا يتصوره العقـل السـليم.

إن قـوى “الرابـع عشـر من آذار” أي قـوى الأكـثريـة” لم تتمكن من تكملـة ثـورتهـا الإسـتقلاليـة أو لم تشـأ في ذلـك أو حتى ظنت أن الوقت لصـالحهـا ودخلت في مـا يسـمى “بالحـوار الوطني” وقبلـه تشـكيل “حكومـة الاسـتقلال” الغـير متجـانسـة، وبدأت بالتقهـقر شـيئـاً فشـيئـاً لصـالـح الفريق الآخـر الـذي عرف كيف يسـتغل الفرص لينقضّ على الحلـم اللبـناني الكـبير ومنجـزات ثـورة الأرز…
وهـكـذا لم يتمكن أو بالأحـرى لم يتفق “فريق الأكـثريـة” الحاكم من تطبيق مقرراتـه أو المبادىء التي اتفق عليهـا مسـبقـاً، وبـدا في وقت من الأوقـات وكـأن كل فريق يتخـذ منحىً أو خطـاً مغايراً للآخـر، بالإضـافـة إلى الفـرص الذهبيـة التي أضـاعهـا من يـده، إن كـان من خـلال نـزع السـلاح الفلسـطيني من المخيمـات وخارجهـا أو من خـلال التفاهـم علـى اتفـاق حول تجميـع سـلاح حـزب الله كمرحلـة تاليـة وتسـليم زمـام الأمـور للحكومـة اللبـنانيـة. فـراح كل فريـق من فرقـاء الأكثريـة يصف هـذا السـلاح علـى طريقتـه الخـاصـة، من سـلاح المقاومـة إلـى سـلاح المجاهدين فسـلاح الفرس..إلخ، وكـل هـذه التوصيفـات لم تكن إلا مضيعـة للوقت وبالتـالـي مضيعـة لكل الإنجـازات التي تم تحقيقهـا منـذ أكـثر من عـام.!!

فـأتت العمليـة التي قـام بهـا مقاتلـوا حزب الله “المقاومة الإسـلاميـة” في “12 تموز  2006” والتي أدت إلى خطف الجنديين الإسـرائيليين وقتـل عـدد آخـر، وتسـارعت الحكومـة اللبـنانيـة إلى الإعـلان عن عدم تبني العمليـة المذكـورة أولاً وعدم معرفتهـا بالأمـر ثانيـاً، ظنـاً منهـا أن ردة الفعـل لـن تطـالهـا، وإنمـا سـتنحصر على يـوم أو إثنين كمـا جرت العـادة. غـير أن ردة الفعـل الإسـرائيليـة فاجـأت جميـع اللبـنانيين قبـل غـيرهم وأتت مدمرة للبنيـة التحتيـة والفوقيـة لهـذا البلـد وقطـّعت أوصـالـه بعـد أن أغلـقت كـل منافـذه.. حتى أعلن أمين عـام المقاومـة بـأنهـا حرب الأمـة.. شـاء اللبـنانيون أم أبـوا..!!! فغرق اللبـناني الرسـمي في أحـلامـه وبات يطـالب أو يسـتفسـر عمّـن يتلقـى هـذه الهديـة (أي هديـة الانتصـار) بينمـا الحرب لا زالت مسـتمرة والخاسـر الأكــبر هـو في نهـايـة المطـاف الشـعب اللبـنانـي ككـل ومـا من أحـد سـيشـعر بلـذة الانتصـار والبلـد مقطـوع الأوصـال.

كـل القـادة اللبــنانيين وبمختلف توجهـاتهم، وحـّدوا خطـابهـم حـول المقاومـة لأن الظرف يتطلب الوحـدة تجـاه عـدو مشـترك يهـدد كيانهم ووجودهم..!! لكـــن، المطلـوب، الجـرأة فـي قـول الحقيقـة من أجـل إنقـاذ هـذا البلـد الـذي ضحى ولا يزال يضحّـي أكـثر من كـل الـدول العربيـة التي باتت بمعظمهـا علـى علاقـة علنيـة أو سـريـة بدولـة إسـرائيـل… فـإلـى متى سـيسـتمر نزيف لبــنان وعـذابـه لشـعارات وهميـة.

هـذا هـو واقـع الحـال فـي لبــنان، لا بـل هـذا هـو واقـع الحـال مع أغلبيـة السـاسـة اللبـنانيين، فلا مصـارحـة فيمـا بين بعضهم البعض، ولا قواسـم مشـتركـة ضمنـاً فيمـا بينهم، سـوى مصـالح شـخصيـة لكل فريق على حسـاب الفريق الآخـر ليدفـع لبـنان الكيـان ولبـنان الدولـة ولبــنان الشـعب، الثمن الأكـبر لكل هـذه التصرفـات اللامسـؤولـة.

اليـوم، وبعـد مضي أكـثر من أربعـة وعشـرين يومـاً على هـذه الحرب المدمّـرة، لـم نسـمـع بموقف علنـي وصريـح يضـع حـداً لكـل هـذا الخـراب.
الكـل يدّعي شـيئـاً ويضمـر شـيئـاً آخــر…، بينمـا لبــنان يحـترق والنـيرونيـون [نسـبة إلى نـيرون] يتفرجـون عليـه.

غســان يونان
05/08/2006

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الفن الآشوري, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.