ماهر حربي:انجذبت لآثار مابين النهرين القديمة

بقلم جورجينا بهنام
ماهر حربي: انجذبت لآثار مابين النهرين القديمة، فظهرت شذرات منها في أعمالي

18 /02 / 2011
http://nala4u.com

ماهر حربي: انجذبت لآثار مابين النهرين القديمة، فظهرت شذرات منها في أعمالي

حاورته : جورجينا بهنام
بين ازقة الموصل القديمة واروقة معهد الفنون الجميلة نبتت وترعرعت موهبة فتية، تبلورت في اكاديمية الفنون الجميلة، لترفد الساحة الإبداعية العراقية برافد جديد يسري نهرا من الابداع والعطاء الفني الثَّر، يسقي هذه الأرض المباركة بفيض من الابداع الفني والروحي والجمالي، انه الفنان العراقي المبدع ماهر حربي، ومعه كان لنا هذا اللقاء:

  • كيف كانت البدايات ومن اكتشف موهبتك الفنية؟
  • الحوافز الأولى كانت في البيت، وجدت رجالاً ونساءً حولي يمارسون الفن بشكل رسم أو خط أو حرف يدوية منزلية ، فوجدتني اهتم بتقليدهم .
    في مراحل الدراسة (ابتدائية وثانوية) كان لاهتمام المدرسين دور في تحفيز الموهبة بالقدر الذي يسمح به الوقت والإمكانات البسيطة التي تخصص لدرس الفن . فبعض من درسني كان يهتم بالخط وإجادته وجماليته وآخر كان يدربنا على تزيين مزهريات فخارية وثالث يعرض أمامنا صورا للوحات من الفن العالمي. وهكذا شكلت هذه البدايات شرارات لموهبة وليدة .
    وجدتني أبدأ بتكبير صور العائلة بطريقة المربعات وتلوينها بألوان الباستيل ورسم المناظر المتخيلة للطبيعة وأشياء من المحيط بقلم الرصاص والباستيل والمائية مع تقليد تصاميم علب المنتجات .وحين علمت من والدة الفنان المرحوم خضر جرجيس أن هناك أكاديمية فنون ببغداد وهو يدرس فيها ، تقدمت للدراسة بها عام 1965.
  • ماهي المدرسة الفنية التي تنتمي إليها؟
  • منذ مرحلة الدراسة في أكاديمية الفنون كثيرا ما كنت أميل الى التجريب ، فقد مارست الفن بأساليبه المتنوعة ابتداء بالواقعية الأكاديمية والسريالية التي تسحر الشباب بخيالها المحلق وغرائبيتها، كما استخدمت حروف الكتابة ممزوجة بالرسم واشتغلت أعمالاً بتقنية (الكولاج) أي تنفيذ اللوحة من أقمشة وأوراق ملصقة، وجذبني التجريد لما يمنح الفنان من حرية اشتغال واكتشاف بواسطة أساسيات الفن وعناصره الجوهرية (الخطوط والألوان والأضواء والتضاد والإيقاع….) والتي تجعل الرسم بمثابة موسيقى مرئية وخطاب روحي . إن هذا التجريب والانتقال من أسلوب لآخر في الرسم شائع لدى الفنانين المعاصرين ومنهم أساتذتي فائق حسن ، كاظم حيدر ، بوركو لازسكي ، محمد غني … لقد انجذبت بشكل خاص لآثار مابين النهرين القديمة من خلال المتاحف والمواقع الاثرية، وتعمق ذلك حين اشتغلت بترميم قصر سنحاريب الآشوري، فكانت تظهر شذرات ومؤثرات من تلك الفنون الرفيعة في أعمالي.
  • -كأستاذ في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة، كيف ترى تطور الرؤى الفنية لدى الأجيال المتعاقبة؟
    *منطقيا يؤدي تراكم المعرفة والخبرة إلى تصعيد وتيرة الإبداع برؤى فنية مضافة، إلا أن واقع معهد وكلية الفنون وفق خبرتي الطويلة كتدريسي ورئيس قسم ومشرف على أطروحات التخرج خللهما الأساسي هو في قبول طلبة لا صلة لهم بالفن وكذلك ازدواجية أهداف هذه المؤسسات بين تخريج معلمين أم فنانين! وما يترتب عليه من سيئات المناهج والحصص المقررة إضافة لفقر في المراجع الفنية وعدم ملاءمة الأبنية لأغراض الفن. هذه العيوب وأمثالها تؤدي إلى انحدار مستوى الدارسين وبالتالي غياب الرؤية الفنية لديهم، عدا إستثناءات نادرة لموهوبين يجتهدون للتغلب على ما يكبح انطلاقهم كمبدعين .
  • -تميزت بإبداع عدد من الأيقونات، هل يمكن لأي فنان أن يسبر أغوار عالم الأيقونات مع ما تتضمنه من رموز ودلالات؟
    *رسم الأيقونة(icon) التقليدية- وهو شكل من فن الرسم ذو طابع روحاني – له تاريخ من المفاهيم وعالم من الرمزية والتقنيات الخاصة التي لا تتوفر إلا لمن اختص بها استعدادا ودراسة وإنجازاً. أما الأيقونات التي أقوم برسمها فهي تعبير استلهم فيه بعض الرموز الروحية مستخدما الوسائل المعتادة والتي أخضعها لأسلوبي الفني الذي طورته عبر سنوات طويلة من العمل، وهو يدمج الموضوع الروحي ومعطياته مع أساليب وتقنيات الفن الحديث وقد أقمت ثلاثة معارض شخصية داخل وخارج العراق مكرسة لعرض أيقونات معاصرة.
  • -كيف تنظر الى معاناة الإنسان العراقي في ظل الظروف الحالية، والفنان بوجه خاص، والى دورها في تفجير الإبداع لدى الفنان؟
  • المعاناة لدى بعض الفنانين ، ذاتية كانت أم خارجية، كثيراً ما تواجه بإصرار وكفاح لا يلينان، فالرغبة بالعطاء تلح على الفنان كي يخرجها عملاً إبداعياً جميلاً. هذا ما لاحظناه عبر تأريخ الفن، فبالرغم من صعوبة العيش والإرهاق النفسي والاضطرابات الاجتماعية التي عانى منها فنانون أمثال كوكان وفان كوخ ورامبرانت … إلا أنهم أبدعوا واستمروا في عطائهم الفياض بمثابرة تبعث الدهشة. هي إذاً حالة إنسانية تتكرر وليس فناننا ببعيد عنها ، فالبعض يواجهون أوضاعاً حياتية محبطة قد تدفع الكثيرين منهم الى التخلي عن الفن وممارسة أعمال مغايرة ، وتدفع آخرين إلى المغادرة بحثا عن فرص أفضل .
  • هل يمكن توريث الفن أم ان خلق أجواء فنية يساعد على إبراز مواهب الأبناء؟
    *ليس بالضرورة ، فالعديد من الأدباء الكبار هم أبناء لوالدين أميين. لأن الموهبة باعتبارها استعداداً عقلياً فردياً ، يمكن أن تظهر في بيئة غير مؤاتية فنياً . إلا أن المناخ العائلي الملائم يسهم في تفتح مواهب الأبناء ويرعاها ويسرع من وتيرة نضوجها . والأمثلة كثيرة لممثلين أبناء مسرحيين وموسيقيين هم ابناء لعازفين ورسامين ورثوا الفن من أحد الوالدين .
  • -هل تعتقد ان الجوائز مؤشر نجاح الفنان ومقياس لدرجة إبداعه؟
    *مفيد انك طرقت هذا الباب ، فالجوائز هي نوع من الأعتراف الاجتماعي بالفنان وتميز عمله، والحافز على المنافسة بين مجموعة من الفنانين ، ولا تخلو هذه الجوائز من خلل وسلبيات لأسباب عدة ، فقد تغفل فنانا مهماً أو ترفع من لا يستحق هذه المرتبة ، لأن الأمر رهين بمستوى لجان التقييم وبواعثها.
    إلا أن الجوائز مادية كانت أم رمزية تبقى ممثلة لنوع من المفاضلة بين المبدعين، علما أنه من الصعوبة بمكان قياس درجة الإبداع الفني بحيادية تامة، لما في الفن من عنصر الذاتية في التذوق، وهي تتفاوت بين إنسان وآخر ، لأن التحكيم الفني يعصى على التقنين والقياس بأدوات العلم الدقيقة. وأنت تعلمين كم غمط النقاد حقوق مبدعين ليأتي زمن آخر ومن منظور نقدي جديد فيكشف القصور في الأحكام السابقة ، فيرتفع المزدرى سابقا الى الصف الأول لاحقاً.
  • -ماهو العمل الأثير إلى قلبك؟ وهلا قدمت لنا شرحا لبعض معانيه الكامنة وراء الرموز؟
    • بنظري أن العمل الأحب الى قلب الفنان هو ذاك الذي يمثل لديه انعطافة أو إضافة نوعية ، ويكون عن طريقه قد دخل أرض الاكتشافات والإبداع ، لأن الميزة في العمل الفني هي قدرته على أن يمنحنا نوعا من البصيرة الجمالية غير المسبوقة وهو أمر يسعد له الفنان ويجعله ينتفض قائلاً : وجدتها !
      وقد تأتي هذه الحالة بدرجة أو أخرى وبين حين وآخر لتمثل مرتبة مضافة إلى مسيرة الفنان الباحث عن لؤلؤة الابتكار الجميلة.
      إن المحاور الأسلوبية التي اشتغل عليها منذ التسعينيات هي استلهام لغنى وحكمة أساطير ما بين النهرين والرمزية الإنسانية التي تحويها مركزاً على موضوعة الإنسان والحب. في تكويناتي تجريدية معشقة بتخطيطات وكتابات غايتها جمالية تذكرنا برهافة فن المنمنمات الشرقية. وعلى حواف الأشكال تنبث إشعاعات ضوء مع طيف من الألوان هو بؤرة جذب وديمومة أمل. انجذب لاستخدام شكل (المعلقة ) بدل اللوحة التقليدية ، وتقنيا ارسم على خامات نسيج خشن كالجنفاص لما له من تأثير بصري وما يوحيه من مناخ فكري له روحانية وبساطة .

كيف تنظر إلى واقع الفن التشكيلي العراقي اليوم ؟ وأين هو من الفن العالمي؟
* بنظري إن تعبير (الفن التشكيلي العراقي) غير ملائم وينطوي على غموض مضلل ، فنحن لا نستطيع تسمية عشرات من اتجاهات فنية معاصرة ومتضاربة يمارسها الفنانون العراقيون بـ(التشكيل العراقي) بل الأحرى أن نقول (فن التشكيليين العراقيين) سواء من هم في الداخل أم الذين انتشروا خارجه ، وهي أعمال تتسم بالحيوية والتجارب الجادة التي تلتحم بلغة الفن العالمية المشتركة أينما وجد فنان وجمهور، وتتفاعل نتاجاتهم مع العالم الواسع تأثيراً وتأثراً . أما إن كنا نقصد بعض الفنانين الذين يتناولون مواضيع محلية شعبية وتراثية ورمزية تشير إلى جغرافية وحضارة هذه الأرض ، فهولاء يمثلون فرعا في شجرة إبداع الفنانين العراقيين الباسقة الملونة . ويجب أن لا ننسى بأن المحرض الحيوي لفنانينا أواسط القرن العشرين كان تجارب الانطباعيين والتكعيبية والسريالية والتجريد التي نقلها إلينا جواد سليم وأكرم شكري ومحمد غني وآخرون …

ماهي آخر نشاطاتك الفنية؟ وآخر عمل لك؟
*شاركت بمعرض(جماعة نينوى) المقام في عمان ومعارض مديرية الثقافة السريانية في عنكاوا وأربيل والسليمانية كما صممت جدارية لواجهة متحف التراث السرياني ونوافذ كاتدرائية القلب الأقدس في تلكيف ، وأحيانا اكتب حول التربية الفنية وأثرها الاجتماعي ، وفي فكري مشروع معرض شخصي جديد بعد انقطاع طويل
-كيف من منظورك يمكن ان نربي لدى الاجيال القادمة الذوق السليم والحس الفني؟
*أدعو إلى أن تؤخذ قضية تربية الذوق الفني والجمالي بكل الجدية التي تستحقها – الأمر الذي نراه ثانوياً للأسف- على صعيد المدرسة ووسائل الإعلام ، بينما تمتلك هذه التربية أهميتها الجوهرية في بناء الإنسان الايجابي المتحضر الخلاق ، وهذا يتطلب – إذا كنا جادين فعلاً – إقرار وطبع كتب خاصة بالتربية الفنية لجميع مراحل الدراسة ، أسوة بالمواد الدراسية الأخرى والاهتمام بإعداد مختصين للتدريس وتوفير كل الوسائل لهم . ومن الضروري أن تحتل تربية التذوق مجتمعيا مساحة أوسع في الصحافة ووقتاً أكبر في القنوات الفضائية ، من أجل ترميم الانكسارات التي نعيشها وتعزيز التطور الحضاري الذي لا يأتي من تربية عرجاء.

ماهر حربي (سيرة فنية)

ولد في الموصل 1945
تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة – جامعة بغداد 1969
عمل في ترميم قصر سنحا ريب الآشوري/ نينوى 1969
مدرس الرسم في دهوك والموصل 1970-1980
مدرس معهد الفنون الجميلة/الموصل 1980-2000
رئيس قسمي الفنون التشكيلية والخط والزخرفة بمعهد الفنون الجميلة 1983-1989
مدرس بدرجة خبير في كلية الفنون الجميلة-جامعة الموصل 1997-2003
فنان محترف بجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين 1974
عضو عامل في نقابة الفنانين العراقيين 1974 وحائز على وسام الفن منها
عضو (جمعية الفنون البصرية المعاصرة) 2004
أسهم بتأسيس (جماعة نينوى للفن الحديث) في الموصل 1970
حاز على ثلاث جوائز في تصميم الملصق
شارك بأكثر من (112) معرضا داخل العراق وخارجه 1966-2009، أسس وأدار(قاعة الساعة للفنون) وهي أول قاعة خاصة بالموصل 2000
أسهم بتأسيس (جماعة نينوى) عام 2002.
كتاباته قي الفن والأدب نشرت منذ1968 في صحف عراقية وكان عضو هيأة تحرير بعضها

  • له أعمال كبيرة في كنائس وأديرة ومؤسسات ودور خاصة في محافظات نينوى – بغداد – دهوك – اربيل – صلاح الدين
    أعماله المقتناة في : العراق-الأردن – سوريا – لبنان – مصر – الكويت – ايطاليا – يوكوسلافيا سابقا– بولندا – هولندا – سويسرا – السويد – فرنسا – ايرلندا – انكلترا – كندا – الولايات المتحدة – البرازيل – هونك كونك – استراليا…
    فنان متفرغ، متزوج منذ 1976 وله ولدان وبنت.

جورجينا بهنام
17/02/2011

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, الفن الآشوري, المقالات واللقاءات, ثقافة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.