مُصارَعة الثِيران

شذى توما مرقوس
مُصارَعة الثِيران

08 /10 / 2010
http://nala4u.com

بقلم : شذى توما مرقوس
الثلاثاء  30 ـ 3 ـ 2010 / الجمعة 27 ـ 8 ـ 2010

الإِنْسَانُ كَائِنٌ يُحِبُّ العُنْف ويَسْتَلِذُّ بِهِ ، إِنَّه يَحْمِلَهُ تَحْتَ جِلْدهُ وفي مَساماتِهِ، وكُلَّما أُتِيحَت لَهُ الفُرْصَة نَفَثَهُ في وُجُوهِ الآخرين ، مُصارَعة الثِيران شَكْلٌ مِنْ أَشْكالِ هذا العُنْف ، الهَدَف هو الحَيَوان .                                                           
صِراع الدِيَكة ، وما يُسَمَّى بِرِياضَةِ الصَيْد ، أَشْكالٌ أُخْرَى لِهذا العُنْف .             
مُصارَعة الثِيران : رِياضَة ، أَمْ تَجَبُّر وغُرور بَشَرِيّ مَجْنُون ؟!!                   

**************************************                     
الإِنْسَان لَيْسَ خَالِصاً وشَوائِبهُ أَشَدُّ مِنْ كَثِيرة ، فمَقاطِع حَيَاة الإِنْسَان اليَوْمِيَّة بِتَفاصِيلِها تَتَفَرَّطُ عن أَشْكالِ عُنْفٍ مُخْتَلِفَة وكَثِيرة ومُتَعدِّدَة ، ولو عُدَّت قَائِمةً بها لكَانَت طَوِيلَة جِدَّاً ، الإِنْسَان بِمناخِ حَيَاتِهِ اليَوْمِيَّة قَدْ يتَرَاخَى في ضَمِّ هذهِ المُمارَسات إِلى وَرقةِ العُنْفِ ، لكِنَّهُ لَوْ حَدَّقَ فيها بَعْضَ الوَقْتِ وتَفَكَّرَ ، لاكْتَشَفَ إِنَّها مِنْ لُبِّ العُنْفِ ومايَتَطايَرُ عَنه مِنْ شَظايا ، الشَواهِد تَشِي بِبَعْضِها : الاعْتِداء بِالضَرْبِ على الآخَر ، العُنْف اللَّفْظِيِّ مِنْ شَتِيمَةٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ تَحْقِيرٍ أَوْ أَلْفاظٍ مَشِينة …. إلخ ، التَّعامُل بِخُشُونَةٍ ودُوْنَ لُطْفٍ مع الآخَر ، السَّلْب ، النَّهْب ، التَكْفِير ، إِذْلال الآخَر ، عَدَم احْتِرام الآخَر ، هَضْم حُقُوقِ المَرْأَة ، الإِساءَة إِلى الأَطْفال بِجَمِيعِ أَشْكالِها ، مُصارَعة الثِيران ، حَمْلات مُكافَحَةِ الكِلابِ السَائِبة ( وهي إِبادَة تَتَخَفَّى بِمَكْرٍ ودَهاءٍ في رِداءِ لَفْظةِ مُكافَحَة  ) ، صِراع الدِيَكة ………….. إلخ .
في نَظَرِي إِنَّ أَقْبَح هِوايَة يُمَارِسُها الإِنْسَان هي هِوايَةَ صَيْدِ الحَيوانات ، فعَذَاب الحَيَوان ووُقُوعِهِ في الشَرَكِ مَصْدَر فَرَح الإِنْسَان القَاسِي ،  القَسْوَة طَبْعٌ يُلازِمُ مِهْنَة أَوْ هِوايَة الصَيْدِ .                                                                       
مُصارَعة الثِيران وَاحِدَة مِنْ بَيْنِ أَسْوَأ المُمارَسات الَّتِي يُزاوِلُها الإِنْسَان ، قَتْلٌ مُتَاحٌ ومُعَمَّم بِأَسْمَاءٍ رَقِيقَة ” رِياضَة ” ، ” هِوايَة ” …. إلخ                       
ماالغَايَة مِنْ هذا القَتْل : التَسْلِيَة ، الاسْتِمتاع ، المَرَح ، التَرْفِيه ، التَباهِي   ……….                                                                                         
مَنْ أَعْطَى الإِنْسَان المُتَبجِّح كُلَّ هذا الحَقّ لِيُعَذِّب ويَقْتُل الكَائِنات الأُخْرَى الَّتِي تُقَاسِمَهُ الحَيَاة على هذا الكَوْكَب ؟                                                           
مِنْ بَيْنِ السَيِّئاتِ الَّتِي يُمَارِسُها الإِنْسَان فَظَاظَةً وقَساوَةً تَطْفُو مُصارَعةَ الثِيران ، مُمارَسات هَضْمِ حُقُوقِ المَرْأَة ، صِراع الدِيَكة ، الإِعْدامات بِحَقِّ البَشَر ………   
في أسبانيا ، البرتغال ودُوُل أمريكا اللاتينية مِنْها : المكسيك ، بيرو ، فنزويلا ، الإكوادور ، كولومبيا …….. إلخ ، تُمارَسُ هذهِ الفِعلة الَّتِي لاتَمُتُّ بِصِلَةٍ إِلى رُوحِ الرِياضَةِ لا مِنْ قَرِيبٍ ولا مِنْ بَعِيدٍ .                                                         
وعَجَبي كَيْفَ تُسَمَّى مِثْل هذهِ الوَحْشِيَّة بـ ” رِياضَة ”  ، كما سَمُّوا الصَيْد بـ ” هِوايَة الصَيْد أَوْ رِياضَة الصَيْد ” ، وهذهِ الأَنْواع مِن المُمارَسات لهي أَبْعَدُ ما تَكُونُ عن رُوحِ الرِياضَةِ ومَفْهُومِها  ، وإِنْ دَلَّتْ على ما ، إِنَّما تَدُلُّ على وَحْشِيَّةٍ وقَسْوَة لَيْسَ إِلاَّ …….                                                                         
يُؤْتَى بِالثَوْرِ المُباح لِلاعْتِداءِ عَلَيْهِ فيُطْلَقُ في سَاحةٍ مُسَوَّرَة ( كَيْ لا يَكُونَ لَهُ مَنْفَذاً لِلخَلاصِ والنَجاةِ ) ، مُحْتَشِدة بِالجَماهِيرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ تَكْفِي لِنَرْفَزَةِ قَطِيعٍ مِن الثِيرانِ ولَيْسَ وَاحِدَاً ، يَتِمُّ اسْتِفزاز هذا الثَّوْر والتَّعَدِّي عَلَيْهِ بِوَحْشِيَّة وحَضِّهِ على الدِفاعِ عن نَفْسِهِ ، وكُلَّما ازْداد دِفاعاً غُرِزَ كَمٌّ أَكْبَر مِن الرِماحِ في جَسَدِهِ ، فيَهْتَاجُ يَائِساً مِنْ خَلاصِهِ في مُوَاجَهَةِ جُمْهُورٍ حَاشِدٍ والجُرُوح تَأْكُلُ مِنْ جَسَدِهِ المُضَرَّجِ بِالدِماءِ ، هَلْ كَانَ هذا الحَيَوان يَسْتَحِقُ مانَالَهُ مِنْ قَسْوَةٍ وتَعَدِّي ؟         
أَيُّ ذَنْبٍ جَنَى ؟                                                                                 
 مِنْ أَيِّ مَنْظُورٍ وعلى أَيِّ أَسَاسٍ يُباحُ تَعْذِيبَهُ هكذا وبِهذهِ الوَحْشِيَّة ؟               
…… لَوْلا وَحْشِيَّة الإِنْسَان لكَانَ هذا الثَّوْرُ آمِناً في حَظِيرَتِهِ ، جَالِساً هَادِئاً أَوْ مُراقِباً لِما حَوْلَهُ بِفُضُولٍ أَوْ يُشَاغِلُ أَقْرَانَهُ في القَطِيعِ مِن الثِيرانِ ، لَكِنَّ الإِنْسَان الَّذِي طَالَما بَحَثَ ويَبْحَثُ عن ثُغُورٍ لِلتَنْفِيسِ عن هَمَجِيَّتِهِ البِدائِيَّة وأَصْلِهِ العُدْوانِيّ بَعْدَ أَنْ كَبَلَتْها القَوانِين ورَوَّضَتْها نَوْعاً ما ، لازَالَ يَرَى في الحَيَوانِ مَتاحاً لِلتَعَدِّي عَلَيْهِ وإِبْداءِ الوَحْشِيَّةِ نَحْوَه فلا قَوانِين تَحْمِيهِ مِنْ ذلك .                               
حِيْنَ يَقُومُ الثَّوْرُ المِسْكِين المُعْتَدى عَلَيْهِ وهو يَحْمِلُ الرِماحَ في جِسْمِهِ ، والدِّماءُ تُلَوِّنُ جَسَدَه ، لِيَنْتَفِضَ ويَطْرَحَ هذا الإِنْسَان المُعْتَدِي أَرْضاً ، ويَدُوسَهُ بِحَوافِرِهِ وكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : ( خُذْ ما تَسْتَحِق جَراءَ وَحْشِيَّتك أَيُّها الإِنْسَان المُتَغَطْرِس ) ، قَدْ يَدْفَعُ حَيَاتَهُ ثَمَناً لِتَمَرُّدِه ِ ، أَيْ لا اخْتِيار لَدَيْهِ سِوَى أَنْ يَرْضَى بِالظُلْمِ مِنْ الإِنْسَانِ الَّذِي يُثْخِنَهُ جُرُوحاً أَوْ يَقْتُلَهُ .                                                               
في أسبانيا وأمريكا اللاتينية يَتِمُّ قَتْل الثَوْر بَعْدَ انْتِهاءِ المُصارَعة ، بَيْنَما لا يُسْمَحُ بِذلك على مَرْأَى الجُمْهُور في البُرتغال ، فما أَلْطَفَ الإِنْسَان وما أَكْثَرَ خَيْرِهِ وطِيبَتِهِ ورَحْمَتِهِ ، يَكادُ الإِنْسَان أَنْ يَكُونَ نَبْعَ مَحَبَّةٍ ورَحْمَةٍ لامَثِيلَ لَها .                           
ثَوْرَةُ الثَوْرِ هذهِ ما أَشْبَهها بِانْتِفاضةِ مَنْ ضَاقُوا ذَرْعاً بِضَياعِ حُقُوقِهم تَحْتَ أَضْراسِ الأَسْياد وفَاضَ بِهم الكَيْل فانْقَضُّوا على الأَسْياد وما هُم بِأَسْيادٍ ، فلايُمْكِنُ لِلأَشْرَارِ أَنْ يَكُونُوا أَسْياداً .                                                                 
ثَوْرَةُ الثَوْرِ هذهِ هي صُورَة لِثَوْرَةِ كُلِّ المَظْلُومِين في كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقاعِ الأَرْضِ . 
حَمْلات مُكافَحَة الكِلابِ السَائِبةِ ، والَّتِي يُطْلِقَها الإِنْسَان بِدَعْوَى حِمايَةِ الإِنْسَانِ مِن الأَمْراضِ والأَذى ، ما أَشْبَهها بِحَمْلاتِ الإِبادَةِ الجَمَاعِيَّةِ الَّتِي تُجْرَى ضِدَّ عِرْقٍ ما ، أَوْ طَائِفَةٍ ، أَوْ ….. في المُجْتَمعِ الإِنْسَانِيّ ……….                               
أَذْيالُ البِدائِيَّة مِنْ بَقايَا المَاضِي السَحِيق للإِنْسَان لازَالَتْ قَابِعَة في دَواخِلهِ تُلْقِي بِحُمَمِها على وَاقِعِهِ مَرَّةً تِلْوَ أُخْرَى ، فالقَوانِين لم تَفْلَحْ إِلاَّ بِالحَدِّ مِنْ بَعْضِ سَطْوَتِها .                                                                                       
في سومطرة تُجْرَى أَيضاً مُصارَعة الجامُوس ، حَيْثُ يُساقُ الجامُوس ويُدْفَعُ دَفْعاً لِلتَقاتُلِ مَعَ قَرِينِهِ الجامُوس الآخر ، وتُمارَسُ هذهِ المُصارَعة فَقَطْ لِنَيْلِ شَرَفِ الفَوْزِ لِمَالِكِ أَحَد الطَرفينِ مِن الجامُوس  ( المَعْلُومَة هذهِ عن الجامُوس مَأْخُوذَة عن قَناةِ سات دغاي في تَقْرِيرٍ تلفزيوني عن سومطرة بِتَأْرِيخِ الأَرْبِعاء 2 ـ 6 ـ 2010  ) ، فهَلْ يُمْكِنُ لِلإِنْسَان أَنْ يَتَصَوَّر مَدَى قَسْوَتِهِ وأَنانِيتِهِ ، حَيْثُ يُجازَفُ بِسَلامَةِ الحَيَوانِ وصِحَّتِهِ ، ورُبَّما حَيَاته ، ثَمَناً لِلَحْظَةِ فَوْزٍ مَغْرُور يَشْعُرُ بِها الإِنْسَان المُتَغَطْرِس القَاسِي ، فليَنْزِل هو إِلى الحَلبَةِ ويُصَارِعُ قَرِينَهُ الإِنْسَان ولا يَدْفَع بِالحَيَوان بَدَلاً عنه  .                                                                   
كَمْ مِن الثِيرانِ تُفْنَى وتُبْلَى سَنَوِيَّاً في مُصارَعاتٍ كَهذهِ ؟                               
ما إِثْمُها وأَيُّ ذَنْبٍ اقْتَرَفَتْهُ لِتَمُوتَ بِهذا النَهْج وتُبْلَى ؟                                 
  لاشَيْء ، غَيْرَ أَنَّها إِرادَةُ الإِنْسَان الغَرّ لَها بِذلك ، هَلْ كَانَ ذَنْبُها إِنَّها جَاءَتْ لِهذهِ الحَيَاة كَحَيواناتٍ ولَيْسَ كَكَائِناتٍ أُخْرَى ؟                                                 
تُفِيدُ المَعْلُومات والأَخْبَار المُعَمَّمَة في الأَوْساطِ العَالَمِيَّة إِنَّ مُصارَعةَ الثِيرانِ كَانَت تُمارَسُ في العَدِيدِ مِنْ دُوَلِ العَالَمِ ومِنْها : الأَرجنتين ، البرازيل ، موزمبيق والمغرب ، إِلاَّ أَنَّهُ تَمَّ حَظْرَها مِنْ أَجْلِ حِفْظِ حُقُوقِ الحَيَوان ، وأَنَّهُ في أسبانيا وَحْدَها يُقْتَلُ 300 أَلْف ثَوْر سَنَوِيَّاً بِسَببِ هذهِ المُصارَعة المَقِيتة .                   
لَيْسَ غَرِيباً على الإِنْسَانِ كُلَّ هذا العُنْف ، فأَجْدَادَهُ مِن البَشَرِ في الأَمبراطورياتِ والدُوَل عَاقَبُوا المَحْكُومِين عَلَيْهم بِتَرْكِهِم في حَلبَةٍ لِلمُصارَعةِ مَعَ الأُسُودِ ، ولَيْسَ عَصِيّاً تَصَوُّر نِهايَةَ هذا الصِراع ….. أَوْ قَاتَلَ الفُرْسانُ مِنْ فَوْق أَحْصِنَتِهِم بِالرِماحِ الطَوِيلَةِ حَتَّى المَوْت ( حَشَرُوا الحَيوانات حَشْراً في الحُرُوبِ والصِراعاتِ البَشَرِيَّة ) وكُلُّ ذلك تَحْتَ أَنْظارِ الجُمُوعِ المُسْتَلِذَّة السَعِيدَة بِما يَجْرِي ….. وأَيْضاً حَرْق البَشَرِ والإِعداماتِ والشَنْقِ والسُجُونِ والتَعْذِيب ……. إلخ ، تَحُفُّ بِهذهِ المُمارساتِ الصَرْخات والهُتافات والتَهْلِيلِ والتَصْفِيقِ والتَشَفِّي …… إلخ ، ولازَالَ هذا المُسَلْسَل مُسْتَمِرَّاً ولا أَمْلَ في نِهايَتِهِ ، هُناكَ رُكْنٌ خَفِيٌّ في ذاتِ الإِنْسَانِ يَصْنَعُ هذا العُنْف ويُصَدِّرَهُ ويَنْقُلَهُ إِلى أَجْيَالِهِ الأُخْرَى ، فجِينُ العُنْفِ فيهِ يَتَحَفَّز ويَتَيَقَّظ ويُسْتَنْفر لِيُؤَدِّي مَشِينَ أَفْعالِهِ في عَالَمٍ مَشْحُون ، تَحْفِرُ لَهُ الأَنانِيَّة والغُرُور ….. إلخ بُؤَراً وحُفراً .                                                             
عِبْرَ القَنواتِ السَمْعِيَّة والمَرْئِيَّة والمَقْرُوءَة ، جَاءَ خَبَرُ حَظْر مُصارَعة الثِيرانِ في كاتالونيا ( في اسبانيا ) .                                                                     
هَنِيئاً لِكاتالونيا قَرارَها المُكَلَّل بِتَاجِ الشَجاعَةِ النَاصِعِ وهي تُمَهِّدُ لِصَفْحَةٍ بَيْضاء ، غَيْرُ قَانِية بِدِماءِ الحَيواناتِ المَغْلُوبَةِ على أَمْرِها ، قَدْ تُفْتَح في بَقِيَّةِ المَناطِقِ الأسبانِيَّة ؛ كاتالونيا صَارَتِ الرَائِدَة ، كُلُّ الأَمْل أَنْ تَتْبعَها بَقِيَّة المَناطِقِ الأسبانِيَّة وحَيْثُما تُوْجَدُ هذهِ المُمارَسةِ الفَظِيعةِ بِحَقِّ الثِيرانِ أَيْنَما كَانَت مِنْ بِقاعِ العَالَم .   
قَدْ يُدَمْدِمُ البَعْضُ غَضَباً ويَقُولُ إِنَّ العَالَمَ يَحْتَرِق ، وبَعْض الأَقْلام تُطِلُّ عَلَيْنا لِتُحَدِّثنا عن مَوْضُوعٍ كَمُصارَعةِ الثِيرانِ وكَأَنَّ العَالَمَ خَلا مِن المآسي والهُمُوم .                                                                     
إِنَّ العَالَمَ يَحْتَرِق ، ولَكِنْ يَأْتِي السُؤَال عَمَّنْ في يَدَيهِ عُود الثَقاب وعَمَّنْ أَشْعَلَهُ ، أَلَيْسَ هو الإِنْسَان .                                                                           
إِنَّ أَسَاسَ الحَرِيق هو سُوء فَهْمِ الإِنْسَان لِلبِيئَةِ المُحِيطَةِ بِهِ ولِلكَائِناتِ مِنْ حَوْلِهِ ، لَوْ يَتَعَلَّم الإِنْسَان كَيْفَ يَتَقَبَّل ويَحْتَرِم وُجُودَ الكَائِناتِ الأُخْرَى بِما يَلِيقُ بِهِ كَإِنْسَان ، ويُجِيدُ التَعامُلَ مَعها بِاحْتِرامٍ ، لمَا انْدَلَعَ الحَرِيق وعَلا وزَادَ وانْتَشَر …… لَكِنَّ الإِنْسَان كَائِنٌ أَنانِيّ يَحْصِرُ وُجُودَ الكَوْن والكَائِنات في شَخْصِهِ ولأَجْلِهِ ، وحِيْنَ نُصِيخُ السَمْع ، تَرْنُو لنا قَهْقَهات الغُرُورِ الإِنْسَانِيّ عَالِياً في الكَلِماتِ وردُودِ الأَفْعالِ والانْفِعالاتِ وفي التَجاوبِ مَعَ الأَحْداثِ والأَفْكارِ …… إلخ ، هذهِ هي الطَامَة والشَرَارَة لِكُلِّ المآسِي .                                                             
لايُمْكِنُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَخْطُو نَحْوَ الأَحْسَن وهو مُتَشَبَّثٌ بِعُنْفِهِ نَحْوَ الكَائِناتِ الأُخْرَى ويَدَيْهِ مُلَطَّخَة بِسَيِّء ْالأَعْمالِ ضِدَّهم …… الخَطْوَة الأُولَى لارْتِقاءِ الإِنْسَان هي تَقَبُّل وُجُود الكَائِنات الأُخْرَى واحْتِرام هذا الوُجُود وحُسْن التَعامُلِ مَعَهُ ، بَعْدَها يَأْتِي اللاحِقُ مِنْ الخُطُواتِ .                                                                 
” الرِّفْق بِالحَيَوان ” مُطالَبَةٌ مُنَمَّقَة ومُزَوَّقَة ، تَلْتَحِي الحَنان ، ومُتَنكِّرَة بِزِيِّ  الرِفْعَةِ والطِيبَة ، لكِنَّها تَفْضَحُ كُلَّ الغُرُورِ والتَعالِي البَشَرِيّ وتَمْتَهِنُ حَقَّ الحَيَوان ، لَيْسَ الرِفْقُ بِالحَيَوان حَلاً فهو لَيْسَ بِحَاجةٍ إِلى شَفقتِنا ، بَلْ تَعَلُّم الإِنْسَان كَيْفَ يَحْتَرِمُ الحَيَوان ككَائِنٍ لَهُ طِراز حَيَاةٍ مُعَيَّن خَاص بِهِ وكُلّ الكَائِناتِ الأُخْرَى مِمَّنْ تُقاسِمَهُ الوُجُود على هذا الكَوْكَب .                                                         
لايُمْكِنُ أَنْ نَتَعَلَّم مِمَّا يُساوِينا ويُشْبِهُنا ، بَلْ مِمَّا يَخْتَلِفُ عَنَّا ، ولايُمْكِنُ أَنْ نُدْرِكَ حَقِيقَتنا كَبَشَر إِلاَّ في عُيُونِ الكَائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَةِ عَنَّا .                           
صَنَعَ الإِنْسَان لِنَفْسِهِ عَالَماً مَجِيداً ، لَكِنَّهُ في الوَقْتِ ذَاته بَثَّ القَلَق وأَشَاعَ الاضْطِراب في حَيَاةِ الكَائِناتِ الأُخْرَى المُتواجِدَةِ مَعَهُ فَوْقَ هذا الكَوْكَب .           
كُلَّمَا صَادَفْتُ إِنْسَاناً تَشِي مَلامِح تَفْكِيرِهِ بِتَعالٍ وتَرَفُّعٍ عن الحَيواناتِ والكَائِناتِ الأُخْرَى المُخْتَلِفَة ، أَدْرَكْتُ أَنَّ الحَيَاة لم تَتَمَيَّز فيه بَعْد وإِنَّهُ لم يُنْجِزْ في حَيَاتِهِ مايُذْكَر .                                                                                         
يَعُودُ السُّؤَالُ تكْراراً : هَلْ حَقَّاً إِنَّ الإِنْسَان أَفْضَلُ الكَائِناتِ ويَتَرَبَّعُ قِمَّةَ الهَرَمِ ؟ اليَقِينُ لايَفْتَحُ لي نَافِذَتَهُ لِلتَصْدِيقِ بِذلك .                                                   
هَلْ سيَبْقَى الإِنْسَان مادَامَ على وَجْهِ الأَرْضِ كَائِناً يَجُرُّ في دَواخِلِهِ نَوازِع العُنْفِ وأَذْيال مَاضِيهِ المُتَّسِمِ بِالشَراسَةِ ، أَمْ إِنَّهُ سيَنْتَصِرُ عَلَيْهِ  ويُزِيلَهُ وكَيْفَ يَفْعَلُ ذلك؟
كُلُّ فَرْدٍ مِنَّا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُساهِمَ في تَغْيِير الإِنْسَانِ نَحْوَالأَحْسَن ، كُلٌّ بِمَقْدُورِهِ ذلك مِنْ مَوْقِعِهِ الصَغِيرِ في هذا العَالَم ، على الفَرْدِ امْتِلاك الفِكْرَة وتَبَنِّيها والإِيمان بِها ، الفِكْر قُوَّة ، وهو لَبَنَة الانْطِلاق نَحْوَ التَغْيِير ، كُلُّ فَرْدٍ في هذا العَالَم قَادِرٌ على تَبَنِّي الأَفْكار النَافِعةِ والإِيمان بِها فيَكُونُ بِهذا قَدْ خَطَا خُطْوَتَهُ نَحْوَ الآخر ، الدِفاع عن الأَفْكارِ يَأْتِي مِنْ خِلالِ أَفْعالٍ بَسِيطَة لا كَبِيرة وهي كَافِية جِدَّاً ، مَثَلاً : عِنْدَ الإِيمان بِأَنَّ احْتِرامَ الحَيوانات ككَائِنات مُهِمٌّ جِدَّاً ، تَكُونُ المَحَبَّة لِلحَيواناتِ فِعْلٌ بَسِيط كَافٍ ، أَوْ إِطْعام حَيَوان  ، أَوْ عَدَم التَسَبُّب في أَذِيَّة حَيَوانٍ ما نُصادِفَهُ في طَرِيقِنا ….. إلخ ، كُلّها تَصَرُّفات بَسِيطَة ، لَكِنَّنا مِنْ خِلالِها نُعْطِي فِكْرنا للآخَرِين بِوُضُوحٍ ، وهكذا مَعَ أَفْكارٍ أُخْرَى ………….                                             
لَوْ زَادَ الحُبُّ لنَقصَ العُنْف وخَفَّ حَتَّى تَلاشَى .                                         
أَيُّها الإِنْسَان ، تَقَدَّمْ ، سِرْ نَحْوَ الأَحْسَن وخُذْ بِأَيْدِي الآخرِين مَعَك  .                 
فلنَفْتَح قُلُوبَنا لِمَحَبَّةِ الحَيوانات وكُلِّ الكَائِناتِ المُخْتَلِفَةِ عَنَّا ونَكْتَشِفُ مافي ذلك مِنْ كُنُوز ، عَزِيزاتي ، أَعِزَّائي مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء ، دُمتُم بِأَمْلٍ لايَنْقَطِعُ ولا يَخِيب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَعْلُومات لِلمُتابِعاتِ والمُتابِعِين :                                                         
……………………………………..                                                     

   1ــ تشير جمعيات الدفاع عن حقوق الحيوان إلى أنه بالإضافة إلى ما يتعرض له الثور من ألم ومُعاناة داخل الحلبة فإنه في أغلب الأحيان يتعرض لآلام مُبرحة قبل المواجهة بقليل ، فتدخل في عينيه مادة الفازلين لإضعاف قدرته على الإبصار ، ويُبرد قرناه للتقليل من قدرته على التصويب الصحيح ، وتُرمى أكياس ثقيلة على كليتيه لجعله أكثر شراسة ، ويُعطى أحياناً مهدئات كيمياوية . وجمعيات حقوق الحيوان جادة في محاربة مصارعة الثيران التي يبدو أنها في طريقها إلى الزوال .                                                                           
( المصدر : موقع كنوز ـ مصارعة الثيران ) .

    2 ـــ  …….. يرى مانويل كاسيس إن شجاعة مصارع الثيران ليست سوى اسطورة ، ويوضح قائلاً إنه قبل المصارعة يجري ( قص ) قرون الثور لتكون أقل طولاً وهو ما يؤثر على إحساس الحيوان بالمسافة وتجعله أقل قدرة على مهاجمة خصمه ، وقبل دخول المصارع إلى الحلبة يجري استنزاف جهود الثور بواسطة مُساعدي المصارع حيث يغرسون الرماح والسهام في ظهرهِ ورقبتهِ ويُصاب المصارع في بعض الأحيان بجروح ولكنه نادراً ما يفقد حياته ، وفي نهاية المصارعة يقتل المصارع الثورعن طريق طعنه بسيف في رقبته ولكنه في معظم الأحيان لايستطيع القضاء على الثور بطعنة واحدة ويضطر إلى تكرار المحاولة عدة مرات ………                                                                 
( المصدر : مجلة الجزيرة ، العدد 169 في 18 ـ ابريل ـ 2006 ، موضوع : 73 بالمئة من سكان كاتالونيا يؤيدون إلغاءها ….. تصاعد المعارضة لرياضة مصارعة الثيران باسبانيا )                               

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.