سقوفٌ كونكريتية وعقولٌ قبلية

بقلم نشوان جورج
Nashwan.george@yahoo.com
سقوفٌ كونكريتية وعقولٌ قبلية

28 / 10 / 2007
http://nala4u.com

إن التحولات العمرانية والتقدم الواضح في الهندسة المعمارية لا يعني بالضرورة تحولاً نحو مجتمع متقدم يتناسب مع الحضارة الحديثة التي اوصلت الهندسة المعمارية الى هذا الحال، فمازال الصراع بين القديم والحديث قائماً رغم أننا نسكن في بيوت فخمة، إلا انها ليست سوى خيم ذات سقوف كونكريتية مادامت مجتمعاتنا تعتمد على القيم والمباديء القبلية.
إن الصراع بين القديم والجديد ظاهرة اجتماعية نلاحظها في كل زمان ومكان إنما هي تختلف شدة وضعفا حسب اختلاف الظروف. وقد بلغ هذا الصراع أشده في العصر الحديث ولا سيما في الشعوب النامية التي اتصلت بالحضارة الحديثة حيث ظهر فيها معجبون بتلك الحضارة يدعون اليها من جهة، ومتزمتون يستنكرونها ويقاومونها من الجهة الأخرى.
من طبيعة الناس في كل مجتمع انهم يميلون الى المحافظة على تراثهم القديم الذي وجدوا عليه آباءهم فهم لا يحبون تبديله، واذا جاءهم ما يخالفه نهضوا جميعاً لمقاومته لا يفرقون بين النافع والضار منه، فكل جديد هو مستنكر في نظرهم وليس للمنطق فيه مجال. وهذا أمر نلاحظه في كل الشعوب حتى تلك التي نعدها الآن “راقية” فهي عندما كانت من قبل منعزلة عن العالم جامدة على تقاليدها ثم جاءها الجديد من الخارج، او ابتكره احد أبنائه، هبت لمكافحته واعتبرته كفراً. ويجب ان لا ننسى أن هذه الشعوب بالرغم من “رقيها” الراهن لا تزال تحتوي بين أفرادها على محافظين يستنكرون الجديد ويقاومونه غير أنهم قليلون نسبياً وتأثيرهم ضعيف.
إن المجتمع اذ يقاوم الجديد انما يحاول أن يحافظ على كيانه، فالمجتمع في حقيقة أمره ليس سوى مجموعة العادات الاجتماعية التي يتمسك بها افراد ويتعصبون لها. فاذا استهان الأفراد بهذه العادات وصاروا ينقلون كل شيء جديد يأتي اليهم أدى ذلك الى تفكك كيانهم الاجتماعي عاجلاً أو آجلاً. وبهذا يمكن اعتبار المحافظين الذين يغارون على تراثهم القديم بمثابة سندة الكيان الاجتماعي، فوجودهم له وظيفته وأهميته في الحياة الاجتماعية. ولكننا يجب ان لا ننسى في الوقت نفسه انهم من اسباب تجميد المجتمع أيضاً، فهم اذا سيطروا على مجتمع ما منعوه من التطور وعرقلوا عليه سبيل التكيف للظروف المستجدة.
ان المجتمع البشري بوجه عام يهدده خطران: خطر الجمود من جهة وخطر التفكك من الجهة الاخرى. والمجتمع الأمثل هو الذي تتوازن فيه قوتا المحافظة والتجديد فلا تطغى إحداهما على الأخرى.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الارشيف, المقالات واللقاءات. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.